فأنت ترى كيف جعل الفناء هو نهاية السير والوصول إلى الولاية، فَمن لا فناء له لا محبة له، ومن لا محبة له لا ولاية له. وإلى ذلك أشار ابن الفارض رضي الله عنه، في تائيته بقوله :
فلمْ تهْوَني ما لم تكنْ فيّ فانِيّا
ولم تَفنَ ما لَمْ تَجتَل فيكَ صُورتي
وقوله تعالى :﴿الذين أمنوا﴾ أي : إيمان الخصوص، ﴿وكانوا يتقون﴾ ما سوى الله ؛ فلا يطمئنون إلى شيء سواه، ﴿لهم البشرى في الحياة الدنيا﴾، حلاوة الذوق والوجدان، مع مقام الشهود والعيان، ﴿وفي الآخرة﴾ بإدراك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر ببال من المعارف والأسرار، فمن أدرك هذا فليوطن نفسه على الإنكار.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٢
١٧٣
قلت :(إن) : استئناف، ومن قرأ بالفتح فعلى إسقاط لام العلة.
يقول الحق جل جلاله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم :﴿ولا يحزنُكَ قولُهم﴾ في جانب الربوبية، أو جانبك بالطعن والشتم والتهديد، فالعاقبة لك بالنصر والعز ؛ فإن الله يُعز أولياءه، ﴿إِنَّ العزَّة لله جميعاً﴾ أي : إن الغلبة لله جميعاً، لا يملك غيرُه منها شيئاً، فهو يقهرهم وينصرك عليهم، ﴿هو السميع﴾ لأقوالهم، ﴿العليم﴾ بمكائدهم فيجازيهم عليها.
الإشارة : الداخل على الله منكور، فكل من رام الخصوصية فليعوِّلْ على الطعن والإنكار، وليتسلَّ بما تسلى به النبي المختار، ولينتظر العز والنصر من الواحد القهار، فإن الأمر كله بيده.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٣
قلت :(وما يتبع) : يحتمل الاستفهام، فتكون منصوبة بيتبع، أي، أيُّ شيء يتبعون ما يتبعون ؟ إلا الظن، ويحتمل النفي، أي : ما يتبع الذين يدعون الشركاء يقيناً ؛ إن يتبعون إلا الظن، أو تكون " إن " تأكيداً لها، و " إلا الظن " إبطال لنفي " ما ".


الصفحة التالية
Icon