الإشارة : لما غلب عليه الصلاة والسلام بقي خلفاؤه في الظاهر والباطن ؛ وهم العلماء الأتقياء، والعارفون الأصفياء. فمن تمسك بهم، واستمع لقولهم، فقد تمسك بالرسول ﷺ، ومن أعرض عنهم فقد أعرض عنه ﷺ، فمن تمسك بما جاءت به العلماء، فاز بالشريعة المحمدية، وكان من الناجين الفائزين. ومن تمسك بالأولياء العارفين، واستمع لهم، وتبع إرشادهم، فاز بالحقيقة الربانية، وكان من المقربين. ومن سمع منهم الوعظ والتذكير، ثم صرفه عن نفسه إلى غيره، يصدق عليه القوله تعالى ﴿ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون﴾ وكان من شر الدواب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥
يقول الحق جل جلاله :﴿إن شر الدوابّ عند الله﴾ ؛ وهو كل من يدب على وجه الأرض، ﴿الصمُّ﴾ عن سماع الحق، ﴿البُكمُ﴾ عن النطق به، ﴿الذين لا يعقلون﴾ الحق ولا يعرفونه، عدهم من البهائم ثم جعلهم شرها ؛ لإبطالهم ما مُيزوا به وفُضلوا لأجله، وهو استعمال العقل فيما ينفعهم من التفكر والاعتبار. قال ابن قتيبة : نزلت هذه الآية في بني عبد الدار، فإنهم جدوا في القتال مع المشركين، يعني يوم بدر، وحكمها عام.
﴿ولو علِمَ الله فيهم خيراً﴾ ؛ سعادة كتبت لهم، أو انتفاعاً بالآيات، ﴿لأسمعهُم﴾ سماع تَفَهُّم، ﴿ولو أسمعهم﴾، مع كونه قد علم الأخير فيهم، ﴿لتولَّوا﴾ عنه، ولم ينتفعوا به، وارتدوا بعد التصديق والقبول، ﴿وهم مُّعرضون﴾ عنه لعنادهم، وقيل : إنهم طلبوا من النبي ﷺ أن يُحيي لهم قُصي بن كلاب، ويشهد له بالرسالة، حتى يسمعوا منه ذلك، فأنزل الله :﴿ولو عَلِمَ اللَّهُ فيهم خيراً لأسمعهم﴾ كلامه بعد إحيائه، ﴿ولو أسمعهم لتولوا وهم مُّعرضُون﴾، لسبق الشقاوة في حقهم.
١٦


الصفحة التالية
Icon