الإشارة : اعلم أن الأمر الذي شرف به الآدمي وفضل غيره هو معرفة خالقه، واستعمال العقل فيما يقربه إليه، وسماع الوعظ الذي يزجره عن غيه، فإذا فقد هذا كان كالبهائم أو أضل، ولله در ابن البنا، حيث يقول في مباحثه :
وَاعْلَمْ أَنَّ عُصْبَةَ الجُهَّالِ
بَهَائِمٌ في صُوَرِ الرِّجَال
واعلم أيضاً أن بعض القلوب لا تقبل علم الحقائق، فأشغلها بعلم الشرائع، ولو علم فيها خيراً لأسمعها تلك الأسرار، ولو أسمعها، مع علمه بعدم قبولها، لتولت عنها وأعرضت ؛ لضيق صدرها وعدم التفرغ لها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦
يقول الحق جل جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله﴾ أي : أجيبوا فيما دعاكم إليه، ﴿وللرسول﴾ فيما دلكم عليه من الطاعة والإحسان، ﴿إذا دعاكم لما يُحييكم﴾ من العلوم الدينية ؛ فإنها حياة القلب، كما أن الجهل موته، أو ﴿إذا دعاكم لما يُحييكم﴾ الحياة الأبدية، في النعيم الدائم، من العقائد والأعمال، أو من الجهاد، فإنه سبب بقائكم ؛ إذ تركتموه لغلبكم العدو وقتلكم، أو الشهادة، لقوله تعالى :﴿أَحيَاءُ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ﴾ [آل عمران : ١٦٩]، ووحد الضمير في قوله :﴿إذا دعاكم﴾ باعتبار ما ذكر، أو لأن دعوة الله تُسمع من الرسول.
وفي البخاري : أن الرسول ﷺ دعا أبيّ بْنَ كَعْبٍ، وهو في الصَّلاة، فلم يجب، فلما فرغ أجاب، فقال له ﷺ :" ما مَنَعَكَ أن تجيبني " فقال : كُنْتُ أُصلّي، فقال :" أَلمْ تَسْمَعَ قوله :﴿استَجِيتُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُول﴾ " فاختلف فيه العلماء، فقيل لأن إجابته ﷺ لا تقطع الصلاة، فيُجيب، ويبقى على صلاته، وقيل : إن دعاءه كان لأمر لا يقبل التأخير، وللمصلي أن يقطع الصلاة لمثله، كإنقاذ أعمى وشبهه.


الصفحة التالية
Icon