يقول الحق جل جلاله :﴿قالوا﴾ أي : المشركون، ومن تبعهم :﴿اتخذ الله ولداً﴾ أي : تبنّاه كالملائكة وغيرهم، ﴿سبحانه﴾ أي : تنزيهاً له عما يقول الظالمون، فإن التبني لا يصح إلا ممن يتصور منه الولد، ﴿هو الغني﴾ عن كل شيء، مفتقر إليه كلُّ شيء، والولد مسبب عن الحاجة، والحق تعالى ﴿له ما في السماوات وما في والأرض﴾ ملكاً وعبيداً، فلا يفتقر إلى اتخاذ الولد، وهو الغني بالإطلاق، لا يحتاج إلى من يعينه، واجب الوجود لا يفتقر إلى من يخلفة في ملكه. ﴿إن عندكم﴾ أي : ما عندكم ﴿من سلطان﴾ أي : برهان ﴿بهذا﴾، بل افتريتموه من عندكم، ﴿أتقون على الله ما لا تعلمون﴾، وهو توبيخ وتقريع على اختلاقهم وجهلهم، وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة، وأن العقائد لا بد فيها من قاطع، وأن التقليد فيها غير سائغ. قاله البيضاوي.
قلت : والتحقيق أن إيمان المقلّد صحيح، وأن تقليد الأنبياء والرسل والكتب السماوية صحيح مكتفٍ عن الدليل.
ثم هدد أهل الشرك فقال :﴿قل إن الذين يفترون على الله الكذبَ﴾ باتخاذ الولد وإضافة الشريك إليه، ﴿لا يُفلحون﴾ : لا ينجون من النار، ولا يفوزون بالجنة، إنما ذلك الافتراء ﴿متاع في الدنيا﴾ يقيمون به رئاستهم في الكفر، فيتمتعون به قليلاً، أو لهم تمتع في الدنيا مدة أعمارهم، ﴿ثم إلينا مرجعُهُم﴾ بالموت، فيلقون الشقاء المؤبد، ﴿ثم نُذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون﴾.
الإشارة : إظهار الكائنات من الغيب إلى الشهادة كلها على حد سواء في الاختراع والافتقار، ليس بعضها أقرب من بعض، وأما قوله : ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" الخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ وَأَحَبُّ الخَلْقِِِ إلى اللَّهِ أَنفَعُهُم لِعِيَالِهِ ". فمعناه أنهم في حفظه وكفالته مفتقرون
١٧٥
إليه في إيصال المادة، كافتقار الولد إلى أبيه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٥


الصفحة التالية
Icon