وأما قرب العبد من ربه بطاعته فمعناه قرب محبة ورضا، لا قرب مسافة أو نسب ؛ إذ أوصاف العبودية غير مجانسة لأوصاف الربوبية، بل هي بعيدة منها مع شدة قربها، ولذلك قال في الحِكَم :" إلهي ما أقربَكَ مِنَّي وما أَبعَدَني عنك... " الخ، وقد تشرق على العبد أنوار الربوبية فتكسوه حتى يغيب عن حسه ورسمه فلا يرى إلا أنوار ربه، فربما تغلبه الأنوار، فيدَّعي الاتحاد أو الحلول، وهو معذور عند أهل الباطن لسكره، وقد رفع التكليف عن السكران، فإذا صحى وبقي على دعواه قُتل شرعاً. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٥
قلت :(وشركاءكم) : مفعول معه، أو بفعل محذوف، أي : اعزموا أمركم وأجمعُوا شركاءكم ومن قرأ :" اجمَعُوا " بهمزة وصل فشركاءكم : معطوف، و " غمة " : خفيّا، وفي الحديث :" فَإنْ غُمَّ عَلَيكُمْ فَاقدَروا لَهُ ".
يقول الحق جل جلاله :﴿واتل عليهم نبأ نوحٍٍ﴾ أي : خبره مع قومه، قيل : اسمه عبد الغفار، وسمي نوحاً لكثرة نَوحه من هيبة ربه، ﴿إذ قال لقومه يا قوم إن كان كَبُرَ﴾ أي : عَظُمَ وشقَّ ﴿عليكم مقامي﴾ أي : كوني بين أظهركم، وإقامتي بينكم مدة مديدة أذكركم بالله، أو قيامي علّيكم لوعظكم، أو نفسي ووجودي بينكم، ﴿وتذكيري﴾ لكم ﴿بآيات الله﴾ أدعوكم بها إلى الله، ﴿فعلى الله توكلتُ﴾ : وثقت به، فلا أبالي ببعدكم عني وتخويفكم إياي، ﴿فأجمعُوا أمرَكم﴾ أي : اعزموا عليه، ﴿وشركاءَكم﴾ مع شركائكم، أو وأمر شركائكم، أو أجْمِعُوا أمركم واتَّفَِقُوا عليه وأجمِعُوا شركاءكم. والمعنى : أنه أمرهم بالعزم والإجماع على قصده، والسعي في إهلاكه، على أي وجه يمكنهم ؛ لشدة ثقته بالله وعدم مبالاته بهم.


الصفحة التالية
Icon