الإشارة : لا يكون الرجل كامل اليقين حتى يسقط من قبله خوف المخلوقين، فلا يبالي بهم ولو أجمعوا على كيده، إذ ليس بيدهم شيء، وإنما أمْرهم بيد الله، ويقول لهم كما قال نوح عليه السلام :﴿فأجمعوا أمركم وشركاءكم﴾. وكما قال هود عليه السلام ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ [هود : ٥٥ـ ٥٦]. وفي الحديث :" لو اجْتَمَعَ الخَلْقُ كَلُهمْ عَلَى أن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَضُرُّوكَ إلا بِشَيءٍ قَدَّرَهُ الله عَلَيكَ، جَفْتِ الأقلامُ وطُويت الصُّحُفُ ". وقال أيضاً ﷺ " لا يَكمُلُ إيمَانُ العَبدِ حتَّى يَكُون الناسُ عندَه كالأباعد ". يعني لا يهابهم ولا يراقبهم. وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٦
قلت :(بما كذبوا به) ذكر هنا الرابط، وحذفه في سورة الأعراف، إشارة إلى جواز الأمرين، وإليه أشار في الألفية، بقوله :
كذَا الذي جُرَّ بما الموصُولُ جَر
كـ " مُرَّ بالّذي مررْتُ فَهْو بَر "
يقول الحق جل جلاله :﴿ثم بعثنا من بعده﴾ : من بعد نوح عليه السلام ﴿رسلاً﴾ ؛ كهود وصالح وإبراهيم وغيرهم ﴿إلى قومهم﴾، كل رسول إلى قومه، ﴿فجاؤوهم بالبينات﴾ : بالمعجزات الواضحات المثبتة لدعواهم، ﴿فما كانوا ليؤمنوا﴾ ؛ فما استقام
١٧٧
لهم أن يؤمنوا لشدة شكيمتهم في الكفر، ولسبق شقاوتهم، فما آمنوا ﴿بما كذَّبوا به من قبل﴾ مجيئهم المعجزات، يعني أنهم طلبوا المعجزات ليؤمنوا، فلما جاءتهم استمروا على تكذيبهم، ﴿كذلك نطبع على قلوب المعتدين﴾ فلا تنفع فيهم معجزة ولا تذكير، وفيه دليل على أن الأفعال واقعة بقدرة الله، مع إثبات كسب العبد لقيام عالم الحكمة ـ الذي هو رداء لتصرف القدرة ـ. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon