الإشارة : السحر على قسمين : سحر يسحر القلوب إلى حضرة الرحمن، وسحر يسحرها إلى حضرة الشيطان، فالسحر الذي يسحر إلى حضرة الرَّحمن : هو ما جاءت به الأنبياء والرسل، وقامت به الأولياء بعدهم من الأمور التي تقرب إلى حضرة، إما ما يتعلق بالظواهر، كتبيين الشرائع، وإمّا ما يتعلق بالبواطن، كتبيين الطرائق والأمور التي تُشرق بها أسرارُ الحقائق، وأما السحر الذي يسحر إلى حضرة الشيطان : فكل ما يشغل عن ذكر الرَّحمن، ولذلك قال عليه السلام :" اتَّقُوا الدُّنيا فإنَّها أَسْحَرُ مَنْ هَارُوت ومَارُوت ".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٨
قلت :(ما جئتم به) موصوله على من قرأ :" السحر " بلا استفهام، ومن قرأ بالاستفهام فـ " ما " مبتدأ و(جئتم) خبرها، و(السحر) : بدل منه، أو خبر لمحذوف، أي : أهو السحر ؟ أو مبتدأ حذف خبره، أي : السحر هو.
يقول الحق جل جلاله :﴿وقال فرعونُ﴾ لما أراد معارضة موسى عليه السلام :﴿ائتوني بكلِّ ساحرٍ﴾، في قراءة الأخوين " سحَّار " ﴿عليم﴾ : حاذق في فنه، ﴿فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون﴾، ﴿فلما ألقَوا﴾ حبالهم وعصيهم، فانقلبت حَيَّات في أعين الناس، يركب بعضها بعضاً، ﴿قال﴾ لهم ﴿موسى ما جئتم به السحر﴾ أي : الذي جئتم به هو السحر، لا ما سماه فرعون وقومه سحراً من معجزات العصا. وقرأ البصري :" آلسحر " أي : أيّ شيء جئتم به السحر هو ؟ ﴿إن الله سيُبْطلُه﴾ : سيمحقه، أو سيظهر بطلانه، ﴿إن الله لا يُصلح عملَ المفسدين﴾ لا يثيبه ولا يديمُه، وفيه دليل على أن السحر تمويه لا حقيقة له، ﴿ويُحقُّ الله الحقَّ بكلماته﴾ السابقة الأزلية، أو بأوامره وقضاياه، ﴿ولو كره المجرمون﴾ ذلك.


الصفحة التالية
Icon