الإشارة : الأكوان كلها عند اهل التحقيق شعوذة سحرية، خيالية كخيال السحر الذي يظهره المشعوذ، تظهر ثم تبطن، وليس في الوجود حقيقة إلا الواحد الأحد الفرد الصمد، فهي ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، وهي أيضاً أشبه شيء بالظلال، والظلال لا وجود لها من ذاتها، وإنما تابعة لشواخصها، ولذلك قالوا : ظلال الأشجار لا تعرق السفن عن التِّسْيار، فظلال الأكوان وأجرامها لا تعوق سفن الأفكار عن التسيار في بحار معاني الأسرار، بل تغيب عن ظلال حسها إلى فضاء شهود معانيها، فالعارف لا يحجبه عن الله
١٧٩
شيء ؛ لنفوذه إلى شهود أسرار الربوبية في كل شيء، والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٩
قلت : الضمير في " ملئهم " يعود على فرعون، وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظماء، أو باعتبار آل فرعون، كما يقال : ربيعة ومُضَر، أو على الذرية، أو على " قومه " و(ان يفتنهم) بدل من فرعون، أو مفعول بخوف، وأفرد ضمير الفاعل، فلم يقل : أن يفتنوهم ؛ للدلالة على أن الخوف من الملأ كان بسبب فرعون.
يقول الحق جل جلاله :﴿فما آمنَ لموسى﴾ أي : صدّقه في أول مبعثه ﴿إلا ذريةٌ﴾ : إلا شباب وفتيان ﴿من قومه﴾ : من بني إسرائيل، آمنوا ﴿على خوفٍ من فرعون وملئهم﴾ أي : مع خوف من فرعون وقومه، أو على خوف من فرعون وملأ بني إسرائيل ؛ لأن الأكابر من بني إسرائيل كانوا يمنعون أولادهم من الإيمان خوفاً من فرعون، وهذا أرجح. خافوا ﴿أن يفتنهم﴾ : يعذبهم حتى يردهم عن دينهم، ﴿وأن فرعونَ لعالٍ في الأرض﴾ : لغالب فيها، ﴿وإنه لَمِن المسرفين﴾ في الكفر والعُتُوِّ حتى ادعى الربوبية، واسترقَّ أسباط الأنبياء.
الإشارة : أهل التصديق بأهل الخصوصية قليل في كل زمان، وإيذاء المنتسبين لهم سنة جارية في كل أوان، فكل زمان له فراعين يُؤذون المنتسبين، والعاقبة للمتقين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٩


الصفحة التالية
Icon