يقول الحق جل جلاله :﴿وقال موسى﴾ لقومه، لمّا رأى خوفهم من فرعون :﴿يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا﴾ أي : ثِقُوا به واعتمِدُوا عليه، ولا تُبالوا بغيره، ﴿إن كنتم مسلمين﴾ مستسلمين لقضاء الله أو منقادين لأحكامه، قائمتين بطاعته، بعد تحصيل الإيمان به، وقال لهم ذلك مع علمه بإيمانهم وإسلامهم ؛ إنهاضاً لهم وتحريضاً على الصبر، كما تقول : إن كنت رجلاً فافعل كذا.
﴿فقالوا على الله توكلنا﴾ لأنّا مؤمنون مخلصون، ﴿ربنا لا تجعلنا فتنةً﴾ أي : موضع
١٨٠
فتنة ﴿للقوم الظالمين﴾ أي : لا تسلطهم علينا فيفتنونا، ﴿ونجنا برحمتك من القوم الكافرين﴾ أي : من كيدهم، أو شؤم مشاهدتهم. وفي تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أن الداعي ينبغي أن يتوكل أولاً لتُجاب دعوته ؛ لأنه يتسبب في نجاح أمره، ثم يدعو. والله تعالى أعلم.
الإشارة : التوكل هو ثمرة الإيمان ونتيجته، فكلما قوي الإيمان واشتدت أركانه قوي التوكل وظهرت أسراره. وكلما ضعف الإيمان ضعف التوكل، فالتَّوَغل في الأسباب نتيجة ضعف الإيمان، والتقلل منها نتيجة صحة التوكل والإيقان، والتوكل : أن تكون بما في يد الله أوثق مما في يدك. قال تعالى :﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل : ٩٦] والتوكل قد يوجد مع الأسباب، ومع التجريد أنفع، وقد تقدم الكلام عليه في آل عمران. وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٠
يقول الحق جل جلاله :﴿وأوحينا إلى موسى وأخيه ان تبَوءا﴾ أي : اتخذا ﴿لقومكما بمصر بيوتاً﴾ للصلاة والعبادة، قيل : أراد الإسكندرية، وهي من مصر، ﴿واجعلوا﴾ أنتما وقومكما ﴿بُيوتَكم﴾ التي تسكنون فيها ﴿قبلةً﴾ : مصلّى ومساجد. ورُوي أن فرعون أخافهم، وهدم مواضع كانوا اتخذوها للصلاة، فأمروا بإخفائها وجعلها في بيوتهم، وتكون متوجهة نحو القبلة ـ يعني مكة ـ وكان موسى يصلي إليها.


الصفحة التالية
Icon