فإن قلت : لِمَ خُصَّ موسى وهارون بالخطاب في قوله :﴿أن تَبوءا﴾ ثم خُوطب بها بنو إسرائيل في قوله :﴿واجعلوا بيوتكم﴾ ؟ فالجواب : أن التبوء واتخاذ المساجد مما يتعاطاه رؤوس القوم للتشاور، بخلاف جعل البيوت قبلة فمما ينبغي أن يفعله كل أحد.
﴿وأقيموا الصلاة﴾ في تلك البيوت، أُمروا بذلك أول مرة لئلا تظهر عليهم الكفرة ويفتنونهم عن دينهم، ﴿وبشَّر المؤمنين﴾ بالنصر والعز في الدنيا، وبالجنة في العقبى.
الإشارة : اتخاذ الأماكن للعبادة والعزلة مطلوب عند القوم، وفي الحِكَم :" ما نفع القلبَ شيءٌ مثلُ عزلةٍ يدخل بها ميدان فكرة "، وأصلهم في ذلك : اعتزاله ﷺ في غار حراء في مبدأ الوحي، فالخلوة للمريد لا بد منها في ابتداء أمره، فإذا قوي نوره، ودخل مقام الفناء ؛ صلح له حينئذٍ الخلطة مع الناس، بحيث يكون جسده مع الخلق وقلبه مع
١٨١
الحق، فإن لله رجالاً أشباحُهم مع الخلق تسعى، وأرواحهم في الملكوت ترعى. وقال بعضهم : الجَسدُ في الحانوت والقلب في الملكوت، فإذا رجع إلى البقاء لم يختَرْ حالاً على حال ؛ لأنه مع الله على كل حال، وهذا من أقوياء الرجال. نفعنا الله بهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨١
قلت : اللام في (ليُضلوا) لام كي، متعلقة بآتيت محذوفة، أو بالمذكورة، ولفظ (ربنا) تكرار، أو تكون لام الأمر، فيكون دعاء عليهم بلفظ الأمر، بما علم من قرائن أحوالهم أنه لا يكون غيره. ﴿فلا يؤمنوا﴾ : جواب الدعاء أو عطف على (ليضلوا).


الصفحة التالية
Icon