يقول الحق جل جلاله :﴿وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأهُ زينةً﴾ : ما يتزين به من الملابس والمراكب، ونحوها، ﴿وأموالاً﴾ : أنواعاً من المال ﴿في الحياة الدنيا﴾ استدراجاً، ﴿ربنا﴾ آتيتهم ذلك ﴿ليُضلوا عن سبيلك﴾ طغياناً وبطراً بها، وصرفها في غير محلها، أو ربنا اجعلهم ضالين في سبيلك، كقول نوح عليه السلام ﴿وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً﴾ [نوح : ٢٤] لما أيس من إيمانهم، ﴿ربنا اطمسْ على أموالهم﴾ أي : أهلكها وامحقها، ﴿واشْدُدْ على قلوبهم﴾ بالقسوة، واطبع عليها حتى لا تنشرح للإيمان، ﴿فلا يؤمنوا حتى يَرَوا العذابَ الأليم﴾ أي : إن تطمس على أموالهم وتشدد على قلوبهم لا يؤمنوا إلا قهراً.
وفي الآية دليل على جواز الدعاء على الظالم بالمعصية، أو الكفر، وقد فعله سعد بن أبي وقاص على الذي شهد فيه بالباطل، ووجْهُ جوازه مع استلزامه وقوع المعاصي : أنه لم يُعتبر من حيث تاديته إلى المعاصي، ولكن من حيث تأديته إلى نِكاية الظالم وعقوبته، وهذا كما قيل في تمني الشهادة أنه مشروع، وإن كان يؤدي إلى قتل الكافر للمسلم، وهو معصية ووهن في الدين، ولكن الغرض من تمنى الشهادة ثوابُها، لا نفسها.
﴿قال﴾ تعالى :﴿قد أجيَبت دعوتُكما﴾ يعني موسى وهارون، وكان يُؤمِّن على دعاء أخيه، ﴿فاستقيما﴾ أي : اثبتا على ما أنتما عليه من الاستقامة والدعوة وإلزام الحجة، ولا تستعجلا، فإن ما طلبتما كائن ولكن في وقته، روي أنه مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة، ﴿ولا تتبعانِّ سبيلَ الذين لا يعلمون﴾ : طريق الجهلة في استعجال الأشياء قبل
١٨٢
وقتها، أو في عدم الوثوق والاطمئنان بوعدنا، وقرأ ابن ذكوان :" ولا تتبعان " بالنون الخفيفة وكسرها لالتقاء الساكنين، وهو قليل، قال ابن مالك :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٢
وَلم تَقَعْ خَفِيفَةٌ بَعدَ الأَلفْ


الصفحة التالية
Icon