ويحتمل أن تكون نون الرفع، و " لا " نافية، أي : والأمر لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون.
الإشارة : دعاء الأولياء على الظالم مشروع بعد الإذن الإلهامي على ما يفهمونه، وقد مكث الشيخ أبو الحسن سنين لم يدع على ابن البراء حتى كان سنة في عرفة، فقال : الآن أًذن لي في الدعاء على ابن البراء... الخ فإن لم يكن إذن فالصبر أوْلى، بل الأولى الدعاء له بالهداية، حتى يأخذ الله بيده ؛ وهذا مقام الصديقين، فإذا وقع الدعاء مطلقاً وتأخرت الإجابة فلا يستعجل، فيكون تبع سبيل الذين لا يعلمون، وفي الحكم :" لا يكن تأخرُ أمدِ العطاءِ مع الإلحاحِ في الدعاء موجباً ليأسك، فقد ضمن لك الإحابة فيما يختار لك لا فيما تختار أنت لنفسك، وفي الوقت الذين يريد، لا في الوقت الذي تريد "، وقال أيضاً :" لا يشككنَّك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه ؛ لئلا يكون ذلك قَدْحاً في بصيرتك، وإخماداً لنور سريرتك " وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٢
قلت :(فأتبعهم) أي : تبعهم، يقال : تبع وأتبع لغتان.
يقول الحق جل جلاله :﴿وجاوزنا ببني إسرائيل البحرَ﴾ أي : جوزناهم في البحر يبساً ؛ حتى بلغوا الشط الآخر حافظين لهم. رُوي أن بني إسرائيل حين جاوزوا البحر كانوا ستمائة ألف، وكان يعقوب عليه السلام قد دخل مصر في نيف وسبعين من ذريته، فتناسلوا حتى بلغوا وقت موسى العدد المذكور.
﴿فأتْبعهم﴾ : فأدركهم ﴿فرعونُ وجنودُه﴾، رُوي أنهم كانوا ثمانمائة ألف أدهم، سوى ما يناسبها من أواسط الخيل. تبعهم ﴿بغياً وعَدْواً﴾ : باغين وعادين عليهم. مستمراً على بغيه ﴿حتى إذا أدركه الغرق قال آمنتُ أنه﴾ أي : بأنه ﴿لا إله إلا الذي آمنتْ به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين﴾، فآمن حين لا ينفع الإيمان بمعانية الموت، ومن قال بصحة
١٨٣
إيمانه فغلطٌ، كالحاتمي فإنه قال في الفصوص : إنه من الناجين، وذلك من جملة هفواته.


الصفحة التالية
Icon