قال تعالى لفرعون :﴿الآن﴾ أي : أتؤمن الآن، وقد أيست من نفسك، ﴿وقد عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ مدة عمرك ﴿وكنتَ من المفسدين﴾ : الضالين المضلين، ﴿فاليوم نُنَجِّيك﴾ أي : ننقذك مما وقع فيه قومك من قعر البحر، ونجعلك طافياً على وجه الماء، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك الناس، فيتحققوا بغرق من معك حال كونك ﴿ببدنك﴾ عارياً عن الروح، أو عرياناً بلا لباس، أو بدرعك، وكانت له دُروع من ذهب يعرف بها، وكان مظاهراً بينها.
﴿لتكونَ لمنَ خَلْفِكَ آيةً﴾ : لمن وراءك علامة يعرفون أنك من الهالكين، والمراد : بنو إسرائيل ؛ إذ كان نفوسهم من عظمته ما خيّل إليهم أنه لا يهلك حتى كذبوا موسى عليه السلام حين أخبرهم بغرقه، إلى أن عاينوه منطرحاً على ممرهم من الساحل، أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا سمعوا مآل امرك، فيكون ذلك عبرة ونكالاً للطغْيان، أوْ حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظيم الشأن وكبرياء الملك مملوك مقهور، بعيد عن مظانِّ الربوبية، أو آية تدل على كمال قدرته وإحاطة علمه وحكمته، فإن إفراده بالإلقاء إلى الساحل دون غيره ؛ يفيد أنه مقصود لإزاحة الشك في أمره.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٣
وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون﴾
؛ لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها، والإخبار بهذا الأخذ الذي وقع في قعر البحر من أعلام النبوة ؛ إذ لا يمكن أن يخبر بها إلا عَلاَّم الغيوب الذي لا يخفى عليه شيء، ولا يخلو منه مكان. والله تعالى أعلم.
الإشارة : كل من دخل بحر التوحيد علماً ـ وهو فرعون برؤية نفسه ـ، ولم يصحب من يغيبُه عنها غرق في بحر الزندقة والدعوى، فإن رجع إلى الإيمان بعد معاينة الهلاك بسيف الشريعة قيل له : الآن وقد عصيت قبلُ وكنتَ من المفسدين ؟ فإن تاب حقيقة رجى له النجاة، وإن قتل كان آية ونكالاً لمن خلفه. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٣
١٨٤


الصفحة التالية
Icon