قلت :(وأن اقم) : عطف على (أن أكون) وإن كان بصيغة الأمر ؛ لأنَّ الغرض وصل " أن " بما يتضمن معنى المصدر يدل معه عليه، وصِيغ الأفعال كلها كذلك، سواء الخبر منها والطلب، والمعنى، وأمرت بالإيمان والاستقامة.
يقول الحق جل جلاله :﴿قلْ﴾ يا محمد لأهل مكة أو لجميع الناس :﴿يا أيها الناسُ إن كنتم في شكٍ من ديني﴾ ؛ بأن شككتم في صحته حتى عبدتم غير الله، ﴿فلا أعبدُ الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبدُ الله الذي يتوفاكم﴾ فهذا خلاصة ديني اعتقاداً وعملاً، فاعرضوها على العقل السليم، وانظروا فيها بعين الإنصاف، لتعلموا صحتها، وهو أني لا أعبد ما تخلقونه وتعبدونه، ولكن أعبد خالقكم، الذي هو يوجدكم ويتوفاكم. وإنما خص التوفي بالذكر لأنه أليق بالتهديد، انظر البيضاوي. ﴿وأمرت أن أكون من المؤمنين﴾ بالله وحده، الذي دل عليه العقل ونطق به الوحي.
﴿وأنْ أقِمْ وجهَكَ للدين حنيفاً﴾ ؛ مائلاً عن الأديان الفاسدة، أي : أمرت بالاستقامة بذاتي كلها في الدين والتوغل فيه، بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح، أو : أن أقيم وجهي في الصلاة باستقبال القبلة. وقيل لي :﴿ولا نكوننَّ من المشركين﴾ بالله في شيء، ﴿ولا تَدْعُ من دون الله ما لا ينفعكُ ولا يضرُّكَ﴾ بنفسه ولا بدَعْوَته، ﴿فإن فعلتَ﴾ ودعَوْتَهُ ﴿فإنك إذاً من الظالمين﴾، وهو تنفير وتحذير للغير من الميل إليه.
ثم بيَّن من يستحق العبادة والدعاء، وهو الله تعالى فقال :﴿وإن يمسسك الله﴾ أي : يصيبك ﴿بضر فلا كاشف له﴾ : لا رافع له ﴿إلا هُو﴾ أي : الله، ﴿وإن يُردكَ بخيرٍ فلا رادَّ﴾ : لا دافع ﴿لفضله﴾ الذي أرادك له.
قال البيضاوي : ولعله ذكر الإرادة مع الخير، والمس مع الضر، مع تلازم الأمرين للتنبيه على أن الخير مراد بالذات، وأن الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول، ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على أنه متفضل بما يريد بهم من الخير لا لاستحقاق لهم عليه، ولم يستثن لأن مراد الله لا يمكن رده. هـ.


الصفحة التالية
Icon