سورة هود
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
قلت :(كتاب) : خبر، أي : هذا كتاب. و(أحكمت) : صفة. و(من لدن) : خبر ثان، أو خبر " كتاب " إن جعل مبتدأ، أو صفة له، إن كان خبراً. و(أَلاَّ تعبدوا) :" أن " مفسرة، أو مصدرية في موضع مفعول لأجله، أو بدل من الآيات أو مستأنف. و(أن استغفروا) : عطف عليه. و(حين) : متعلق بمحذوف، أي : ألا إنهم يثنونها حين يستغشون... الخ. و(يعلم) : استئناف لبيان النقض عليهم.
يقول الحق جل جلاله : أيها الرسول المصطفى، هذا الذي تقرؤه ﴿كتابٌ أحكمت آياته﴾ ؛ أتقنت، ونظمت نظماً محكماً، لا يعتريه خلل من جهة اللفظ ولا المعنى، أو
١٩٣
أحكمت من النسخ بشريعة أخرى، أو أحكمت بالحُجج والبراهين، أو جعلت حكيمة ؛ لأنها مشتملة على أمهات الحكم العلمية. ﴿ثم فُصَّلتْ﴾ ؛ بُينت لاشتمالها على بيان العقائد والأحكام والمواعظ والأخبار. أو فصلت سورة سورة ؛ ليسهل حفظها. وفُصلت بالإنزال نجماً نجماً، في أزمنة مختلفة. أو فُصل فيها لُخص ما يحتاج إليه من الأحكام. و(ثم) : للتفاوت في الحكم ؛ لأن الأحكام صفة ذاتية، والتفصيل إنما هو بحسب من يفصل له. نزل ذلك في الكتاب ﴿من لَّدنْ حكيمٍ خبيرٍ﴾، ولذلك كان محكماً مفصلاً بالغاً في ذلك الغاية ؛ لأن الحكيم الخبير لا يخفى عليه ما يخل بنظم الكلام.
قائلاً ذلك الكتاب : ألا تعبدوا معه غيره. وقال في القوت :﴿كتاب أحكمت آياته﴾ يعني : بالتوحيد، ﴿ثم فصلت﴾ أي : بالوعد والوعيد. ثم قال :﴿من لدن حكيم﴾ أي : بالإحكام للأحكام، ﴿خبير﴾ بالتفصيل للحلال والحرام. ﴿ألا تعبدوا إلا الله﴾ ؛ هذا هو التوحيد الذي أحكمه. ﴿إنني لكم منه نذير﴾ بالعذاب، ﴿وبشير﴾ بالثواب لمن آمن به. هذا هو الوعد والوعيد. قاله البيضاوي :﴿إنني لكم منه﴾ أي : من الله، ﴿نذير وبشير﴾ بالعقاب على الشرك والثواب على التوحيد. ﴿وأن استغفروا ربكم﴾ : عطف على " ألا تعبدوا "، ﴿ثم توبوا إليه﴾ ؛ ثم توصلوا إلى مطلبكم بالتوبة ؛ فإن المعرض عن طريق الحق لا بد له من رجوع. وقيل : استغفروا من الشرك، ثم توبوا إليه بالطاعة، ويجوز أن يكون " ثم " : للتفاوت بين الأمرين. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٣


الصفحة التالية
Icon