وقوله :﴿ألا حين يستغشون ثيابهم﴾ : يحتمل أن يكون عند النوم، فيكون الإثناء عن الحق، أو عن الله، أو عند مواجهة الرسول، فيكون الإثناء عن رؤيته ـ عليه الصلاة والسلام ـ، أو عن سماع القرآن. قال تعالى :﴿يعلم ما يسرون﴾ في قلوبهم، ﴿وما يعلنون﴾ بأفواههم ـ فقد استوى في علمه سرهم وعلانيتهم، فكيف يخفى عليه أمرهم واستخفاؤهم منه ؟ ﴿إنه عليم بذات الصدور﴾ أي : بالأسرار صاحبة الصدور، أو بحقائق الصدور وما احتوت عليه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٣
الإشارة : يقول الحق جل جلاله : هذا كتاب أحكمت آياته بالتعريف بالذات، ثم فصلت ببيان الصفات، أو : أحكمت بتبيين الحقائق، ثم فصلت بتبيين الشرائع : أو أحكمت ببيان ما يتعلق بعالم الأرواح من التعريف، ثم فصلت ببيان ما يتعلق بعالم الأشباح من التكليف، أو : أحكمت ببيان أسرار الملكوت، ثم فصلت ببيان أحكام الملك. ثم بيَّن ما يتعلق بالذات فقال :﴿ألا تعبدون إلا الله﴾ وبيَّن ما يتعلق بالصفات من التفصيل فقال :﴿وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه﴾، أو : بيَّن ما يتعلق بالحقائق، ثم ما يتعلق بالشرائع، وهكذا. فإن جمعتم بين الحقائق والشرائع يمتعكم متاعاً حسناً ؛ بشهود ذاته، والتنزه في أنوار صفاته، إلى أجل مسمى، وهو : النزول في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ويؤت كل ذي فضل من المعرفة جزاء فضله من الشهود، فمن تولى عن هذا خاف من عذاب يوم كبير، وهو : غم الحجاب، والتخلف عن الأحباب. ثم عاتب أهل الشهود حيث تركوا مقام المشاهدة وتنزلوا إلى مقام المراقبة، بقوله :﴿ألا إنهم يثنون صدورهم...﴾، الآية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٣


الصفحة التالية
Icon