فالأشكال والرسوم متفرعة من تلك القبضة المحمدية، والقبضة متدفقة من بحر الجبروت الذي لا نهاية له، فهي حقيقة، وما ظهر تحديدها إلا من جهة حسها. فهي كثلجة في بحرٍ، ماؤها الباطن متصل في البحر، وظاهرها محدود محصور. فالأشكال كلها غريقة في بحر الجبروت. ولذلك قال صاحب العينية :
هو العَرْشُ الكُرسِيُّ والمَنْظَرُ البهي
هو السِّدرةُ التي إِليهَا المَرَاجعُ
وقال أيضاً :
هُوَ المُوجِدُ الأَشْيَاءِ وهوَ وُجُودُهَا
وعَيْنُ ذَوَاتِ الكُلّ وهْوَ الجَوَامعُ
فَأوْصَافُهُ والاسْمُ والأثَرُ الذي
هُو الكَونُ عَيْنُ الذَّات والله جَامِعُ
فالأكوان ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، فالحق تعالى كما كان لا شيء معه، فهو الآن كما كان. إذ التغير في حقه تعالى مُحال، ولا يعلم هذه الأسرار إلا من صحب أهل الأسرار، وحسب من لم يصحبهم التسليم. كما رمزوا وأشاروا إليه :
وإن لَمْ تَرَ الهِلال فَسَلَّمْ
لأُناسٍ رَأوْهُ بالأبْصارِ
وقوله تعالى :﴿ليبلُوكم أيكم أحسنُ عملاُ﴾ أي : ليظهر منكم من يقف مع الأكون، ومن ينفذ إلى شهود المكون. وهو الذي حسن عمله، وارتفعت همته. ولئن قلت أيها العامي : إنكم تحيون بالمعرفة من بعد موت قلوبكم بالجهل والغفلة إن صحبتمُوني، ليقولن أهلُ الإنكار : إن هذا إلا سحر مبين.
١٩٩
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٧
قلت :(يوم) : معمول لخبر ليس، وهو دليل جواز تقديمة إن كان ظرفاً.
﴿يقول الحق جل جلاله :﴾ ﴿ولئن أخَّرنا عنهم العذابَ﴾ الموعود في الدنيا، أو في الآخرة، ﴿إلى أمة﴾ أي : أوقات معدودة قلائل، ﴿ليقولن﴾ ؛ استهزاء :﴿ما يحْسبُه﴾ ؟ أي : ما يمنعه من الوقوع الآن ؟ ﴿ألا يوم يأتيهم﴾ وينزل بهم كيوم بدر، أو يوم القيامة ﴿ليس مصروفاً عنهم﴾ ليس مدفوعاً عنهم حين ينزل بهم، ﴿وحاقَ﴾ ؛ نزل وأحاط ﴿بهم ما كانوا به يستهزئون﴾، وضع الماضي الاستقبال ؛ تحقيقاً للوقوع، ومبالغة في التهديد.