الإشارة : إمهال العاصي بإهمال له ؛ فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل. فإمهاله إما استدراج، أو انتظار لتوبته، فليبادر بالتوبة قبل الفوات، وبالعمل الصالح قبل الممات. فما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت، وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٩
قلت :(ولئن) : شرط وقسم، ذكر جواب القسم، واستغنى به عن جواب الشرط.
يقول الحق جل جلاله :﴿ولئن أذقنا الإنسان منا رحمةً﴾ أي : أعطيناه نعمة يجد لذتها. ﴿ثم نزعناها منه﴾ أي : سلبنا تلك النعمة منه ﴿إنه ليؤوسٌ﴾ ؛ قنوط، حيث قلَّ رجاؤه من فضل الله ؛ لقلة صبره، وعدم ثقته بربه، ﴿كفور﴾ : مبالغ في كفران ما سلف له من النعم، كأنه لم ير نعمة قط. ﴿ولئن أذقناه نعماءَ بعد ضراء مسَّتْه﴾ ؛ كصحة بعد سقم، وغنى بعد فقر، أو علم بعد جهل، ﴿ليقولنَّ ذهب السيئاتُ﴾. أي : المصائب التي مستني، ﴿عني﴾، ونسي مقام الشكر. ﴿إنه لفرح﴾ أي : بطر متعزز بها، ﴿فخورٌ﴾ على الناس، متكبر بها، مشغول بذلك عن شكرها، والقيام بحقها. قال البيضاوي : وفي لفظ الإذاقة والمس تنبيه على ان ما يجده الإنسان في الدنيا من النعم والمحن كالأنموذج لما يجده في الآخرة، وأنه يقع في الكفر والبطر بأدنى شيء ؛ لأن الذوق : إدراك المطعم، والمس مبدأ الوصول إليه. هـ.
٢٠٠
﴿إلا الذين صبروا﴾ على الضراء ؛ إيماناً بالله، واستسلاماً لقضائه، ﴿وعملوا الصالحات﴾ شكراً لآلائه، سابقها ولاحقها، ﴿أولئك لهم مغفرة﴾ لذنوبهم، ﴿وأجر كبير﴾ أقلة الجنة، وغايته النظرة. والاستثناء من الإنسان ؛ لأن المراد به الجنس. ومن حمله على الكافر ـ لسبق ذكرهم ـ جعله منقطعاً. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ينبغي للعبد أن يكون شاكراً للنعم، صابراً عند النقم، واقفاً مع المنعم دون النعم. إن ذهبت من يدة نعمة رَجَى رجوعها، وإن أصابته نقمة انتظر انصرافها. والحاصل : ان يكون عبداً لله في جميع الحالات.