حُكي أن سيدنا موسى عليه السلام قال : يا رب دلني على عمل إذا عملته رضيت عني. قال : إنك لا تطيق ذلك، فخر ساجداً متضرعاً، فقال : يا ابن عمران ؛ إن رضاي في رضائك بقضائي. هـ. وقال ابن عباس رضي الله عنه أول شيء كتبه الله في اللوح المحفوظ : أنا الله لا إله إلا أنا، محمد رسولي، فمن استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر نعمائي، كتبته صديقاً، وبعثته مع الصديقين، ومن لم يستسلم لقضائي، ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر نعمائي، فليتخذ رباً سوائي. هـ. ورُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ثلاث من رزقهن خير الدنيا والآخرة : الرضا بالقضاء، والصبر على الأذى، والدعاء في الرخاء. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٠
يقول الحق جل جلاله : لنبيه ﷺ :﴿فلعلك تارك بعضَ ما يُوحى إليك﴾، فلا تبلغه وهو ما فيه تشديد على المشركين، مخافة ردهم واستهزائهم به. ولا يلزم من توقع الشيء وقوعه. فالعصمة مانعة من ذلك. فالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يترك شيئاً من الوحي إلا بغله، ولكن الحق تعالى شجعه وحرضه على التبليغ في المستقبل. ولو قوبل بالإنكار.
ثم قال له :﴿وضائق به صدرُكَ﴾ ؛ أي : ولعله يعرض لك في بعض الأحيان ضيق في صدرك، فلا تتلوه عليهم مخافة ﴿أن يقول لولا أُنزل عليه كنز﴾ ينفقه للاستتباع
٢٠١
كالملوك، أو يستغني به عن طلب المعاش، ﴿أو جاء معه ملكٌ﴾ يشهد له، والقصد تسليته ﷺ عن قولهم، حتى يُبلغ الرسالة ولا يبالي بهم. وإنما قال :﴿ضائق﴾ ؛ ليدل على اتساع صدره ﷺ، وقلة ضيقه في الحال. ﴿إنما أنت نذير﴾ ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك، ولا عليك ردوا أو اقترحوا، فلا يضيق صدرك بذلك. ﴿والله تعالى على كل شيء وكيل﴾ فتوكل عليه، فإنه عالم بحالهم ومجازيهم على أقوالهم وأفعالهم.


الصفحة التالية
Icon