قلت :(أفمن كان) : مبتدأ، والخبر محذوف، أي : كمن كان يريد الدنيا وزينتها.
يقول الحق جل جلاله :﴿أفمن كان على بينةٍ﴾، طريقة واضحة ﴿من ربه﴾ وهو النبي ﷺ والمؤمنون، كمن ليس كذلك، ممن همه الدنيا ؟ ! والمراد بالبينة : ما أدرك صحتَه العقلُ والذوقُ، أي : على برهان واضح من ربه، وهو الدليل العقلي ؛ والأمر الجلي. أو برهان من الله يدله على الحق والصواب فيما ياتيه ويذره، ﴿ويتلُوه﴾ ؛ ويتبع ذلك البرهان ـ الذي هو دليل العقل، ﴿شاهدٌ منه﴾ أي : من الله يشهد بصحته، وهو : القرآن، لأنه مصباح البصيرة والقلب ؛ فهو يشهد بصحة ما أدركه العقل من البرهان.
﴿ومن قبله﴾ أي : من قبل القرآن، ﴿كتابُ موسى﴾ يعني : التوارة، فإنها أيضاً متلوة شاهدة بما عليه الرسول ومن تبعه من البينة الواضحة. أو البينة : القرآن، والشاهد : جيريل عليه السلام، أو عَلِيٌّ ـ كرم الله وجهه ـ، أو الإنجيل، وهو حسن، لقوله :﴿ومن قبله كتابُ موسى﴾ ؛ فإن التوراة قبل الإنجيل. قال ابن عطية : وهنا اعتراض ؛ وهو أن الضمير قي " قبله " عائداً على القرآن، فَلِمَ لَمْ يذكر الإنجيل ـ وهو قبله ـ وبينه وبين كتاب موسى ؟ فالانفصال عنه : أنه خَصَّ التوراة بالذكر ؛ لأن الملّتين متفقتان على أنها من عند الله، والإنجيل قد خالف فيها. فكان الاستشهاد بما تقوم به الحجة على الكتابين أولى. وهذا كقول الجن ﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىا﴾ [الاحقاف : ٣٠]. وقول النجاشي :" إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاه واحدة "، . هـ. وإذا فسرنا الشاهد بالإنجيل سقط الاعتراض.