وقال في القوت :﴿أفمن كان على بينة من ربه﴾ أي : من شهد مقام الله ـ عز وجل ـ بالبيان، فقام له بشهادة الإيقان، فليس هذا كمن زُين له سُوء عمله، واتبع هواه، فآثره على طاعة مولاه. بل هذا قائم بشهادته، متبع لشهيده، مستقيم على محبة معبوده هـ. وقال الورتجبي : تقدير الآية على وجه الاستفهام : أفمن كان على بينة من ربه ؛ كمن هو في الضلالة والجهالة ؟ أفمن كان على معرفة من ربه، وولاية وسلامة وكرامة، وكل عارف إذا شاهد الحق سبحانه بقلبه وروحه، وعقله وسره، فأدرك فيض أنوار جماله، وقربه، يؤثر ذلك في هيكله حتى يبرز من وجهه نور الله الساطع، ويراه كل صاحب نظر، قال تعالى :﴿ويتلوه شاهد منه﴾، والبينة : بصيرة المعرفة، والشاهد : بروز نور المشاهدة منه. وأيضاً : البينة : كلام المعرفة. والشاهد : الكتاب والسنة. ثم قال عن الجنيد : البينة : حقيقة يؤيدها ظاهر العلم. هـ.
والحاصل : أن البينة أمر باطني، وهي : المعرفة، إما بالبرهان، أو بالعيان، والشاهد الذي يتلو هو العلم الظاهر، فيتفق ما أدركه العقل أو الذوق مع ما أفاده النقل، فتتفق الحقيقة مع الشريعة. كلِّ في محله، الباطن منور بالحقائق، والظاهر مُؤيد بالشرائع. وهذا
٢٠٥
غاية المطلوب والمرغوب. رزقنا الله من ذلك الحظ الأوفر بمنِّه وكرمه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٤
قلت :(مثلاً) : تمييز.
يقول الحق جل جلاله :﴿ومن أظلمُ﴾ أي : لا أحد أظلم ﴿ممن افترى على الله كذباً﴾ ؛ بأن أسند إليه ما لم يقله، وكذب بما أنزله، أو نسب لله ما لا يليق بجلاله. ﴿أولئك يُعرضون على ربهم﴾ يوم القيامة، بأن يحسُبوا في الموفق، وتعرض عليهم أعمالهم على رؤوس الأشهاد، ﴿ويقول الأشهادُ﴾ من الملائكة والنبيين، أو كل من شهد الموقف :﴿هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين﴾ وهو تهويل عظيم لما يحيق بهم حينئذٍ، لظلمهم بالكذب على الله، ورد الناس عن طريق الله.


الصفحة التالية
Icon