يقول الحق جل جلاله :﴿ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه﴾ فقال لهم :﴿إني لكم﴾، أو بأني لكم ﴿نذير مبينٌ﴾ أي : بين ظاهر، أو أبين لكم موجبات العذاب، ووجه الخلاص منه، قائلاً :﴿ألا تعبدوا إلا الله﴾، ولا تعبدوا معه غيره، ﴿إني أخاف عليكم عذابَ يومٍ أليم﴾ ؛ مُؤلم، وهو في الحقيقة صفة للعذاب، ووصف به زمانه على طريقة [جَدَّ جَدُّه، ونهاره صائم] ؛ للمبالغة.
﴿فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نَراك إلا بشراً مثلنا﴾ ؛ لا مزية لك علينا تخصك بالنبوءة ووجوب الطاعة، ﴿وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلُنا﴾ ؛ أخساؤنا وسُقَّاطنا ؛ جمع ارذل. ﴿بادِيَ الرأي﴾ ؛ من أول الرأي من غير تفكر ولا تدبر، أي : اتبعك هؤلاء بادي الرأي من غير ترو. أو ظاهراً رأيهم خفيفاً عقلهم، وإنما استرذلوهم، لأجل فقرهم، جهلاً منهم، واعتقاداً أن الشرف هو المال والجاه. وليس الأمر كذلك. بل الشرف إنما هو بالإيمان والطاعة، ومعرفة الحق. وقيل : إنهم كانوا حاكة وحجامين. وقيل : أراذل في أفعالهم، لقوله ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾ [الشعراء : ١١٢]، ثم قالوا :﴿وما نَرى لكم﴾ أي : لك ولمتبعيك ﴿علينا من فضلٍ﴾ يؤهلكم للنبوءة، واستحقاق المتابعة. ﴿بل نظنكم كاذبين﴾ ؛ أنت في دعوى النبوءة، وهم في دعوى العلم بصدقك. فغلب المخاطب على الغائبين.
الإشارة : تكذيب الصادقين سنة ماضية، وأتباع الخصوص موسومون بالذلة والقلة، وهم أتباع الرسل والأولياء وهم أيضاً جُل أهل الجنة ؛ لأن المصطفى ﷺ قال " أَهلُ الجَنَّة كُلُّ ضَعِيفٍ مُستَضعَفٍ ". وقالت الجنة : مَا لِيَ لا يَدخُلُني إلا سُقَّطُ الناس " فقال لها الحق تعالى :" أنتِ رَحمَتي أَرحَمُ بِك مَنْ أَشاء " حسبما في الصحيح.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٧
قلت :" أنلزمكموها " : يصح في الضمير الثاني الوصل والفصل ؛ لتقدم الأخص.