الإشارة : قال القشيري : قوله تعالى :﴿لا أسألكم عليه مالاً﴾، فيه تنبيه للعلماء ـ الذين هم ورثة الأنبياء أن يتأدبوا بأنبيائهم، وألا يطلبوا من الناس شيئاً في بث علومهم، ولا يرتفقوا منهم بتعليمهم، والتذكير لهم، وما ارتفق من المستمعين في بث فائدة يذكر بها من الدين، ويعظ بها المسلمين فلا يبارك الله فيما يُسمعون به عن الله، ولا ينتفعون به، ويحصلون به على سخط من الله. هـ.
قلت : هذا إن كان له تشوف وتطلع بذلك، بحيث لو لم يعط لم يُعلم، أو لم يُذكر. وأما إن كان يعلم ويذكر لله، ثم يتصدق عليه لله، فلا بأس به إن شاء الله. وما زالت الأشياخ والأولياء يقبضون زيارات الفقراء، وكل من يأتيهم ويذكرونهم ويعرفونهم بالله، لأن ذلك ربح للمعطي وتقريب له، وما ربح الناس إلا من فلسهم ونفسهم ؛ بذلوها لله، فأغناهم الله. وقد تقدم عند قوله ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً...﴾ [التوبة : ١٠٣] بعض الكلام على هذا المعنى، والله تعالى أعلم.
٢٠٩
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٩
يقول الحق جل جلاله : قال نوح لقومه :﴿ولا أقول لكم عندي خزائنُ الله﴾ حتى أنفق منها متى شئت، فأستغني عن مباشرة الأسباب، بل ما أنا إلا بشر، أو لا أدعي ما ليس لي فتنكروا قولي، أي : لا أفوه لكم، ولا أتعاطى غير ما ألهمني الله له، فلست أقول : عندي خزائن الله، أي : القوة التي توجد بها الأشياء بعد عدمها. أو : عندي خزائن الله التي يتنزل منها الأشياء، كالريح والمياه ونحوها، كما قال تعالى ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾ [الحجر : ٢١] فتبرأ عليه السلام من هذه الدعوى.


الصفحة التالية
Icon