ثم قال :﴿ولا أعلمُ الغيبَ﴾ أي : ولا أقول : إني أعلم الغيب، فأعلم من أصحابي ما يسترونه عني في نفوسهم، فسبيلي قبول ما ظهر منهم. أو : لا أعلم أنهم اتبعوني في بادي الرأي عن غير بصيرة وعقد قلب ﴿ولا أقولُ إني ملكٌ﴾ حتى تقولوا : ما نزال إلا بشراً مثلنا. ﴿ولا اقول للذين تزدري أعينُكم﴾ أي : تحتقرهم. من زريت على الرجل : قصرت به. قلبت تاؤه دالاً ؛ لتجانس الزاي للتاء، والمراد بهم ضعفاء المؤمنين، أي : لا أقول في شأن من احتقرتموهم، لفقرهم :﴿لن يُؤتهم الله خيراً﴾ ؛ فإنَّ ما أعد الله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا. ﴿والله اعلم بما في أنفسكم﴾ من خير أو غيره، ﴿إني إِذاً﴾ أي : إن قلتُ شيئاً من ذلك، ﴿لَمِنَ لظالمين﴾.
قال البيضاوي : وإسناده إلى الأعين ؛ للمبالغة، والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادي الرأي من غير روية، مما عاينوه من رثاثة حالهم، وقلة منالهم، دون تأمل في معانيهم وكمالاتهم. وقال أيضاً : وإنما استرذلوهم لفقرهم ؛ لأنهم لمَّا لم يعلموا إلا ظاهراً من الحياة الدنيا كان الأحظ بها أشرف عندهم، والمحروم منها أرذل. هـ.
الإشارة : لا يشترط في وجود الخصوصية ظهور الكرامة ؛ فقد تظهر الكرامة على من لم تكمل له الاستقامة، فلا يشترط فيه الاطلاع على خزائن الغيوب، وإنما يشترط فيه التطهير من نقائص العيوب، لا يشترط فيه الإنفاق من الغيب، وإنما يشترط فيه الثقة بما ضمن له في الغيب. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٩
قلت :﴿إن اردت﴾ : شرط حذف جوابه ؛ لتقدم ما يدل عليه، وكذا (إن كان الله يريد أن يُغويكم)، والتقدير : إن كان يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحي إن أردت ان أنصح لكم. أي : فكذلك. فهو من تعليق الشرط، كقولك : إن دخلتِ الدار، إن كلمت زيداً، فأنتِ طالق. فلا تطلق إلا بهما، ثم استأنف :(هو ربكم).