يقول الحق جل جلاله :﴿قالوا يا نوحُ قد جادلتنا﴾ : خاصمتنا ﴿فأكثرت جِدالنا﴾ : خصامنا ومخاطبتنا، ﴿فأتِنا بما تَعِدُنا﴾ من العذاب، ﴿إن كنتَ من الصادقين﴾ في الدعوى والوعيد، فإن مناظرتك ووعظك لا يؤثر فينا. ﴿قال﴾ نوح عليه السلام :﴿إنما يأتيكم به الله﴾ دوني ﴿إن شاءَ﴾ عاجلاً أو آجلاً، ﴿وما أنتم بمعجزين﴾ بدفع العذاب عنكم، أو الهرب منه حتى تعجزوا القدرة الإلهية، ﴿ولا ينفعكم نُصحي إن أردتُ أن أنصح لكم﴾، وأراد الله ﴿ان يُغويكم﴾، فإن النصح مع سابق الشقاء عنت. وهذا جواب لما أوهموا من أن جداله كلام لا طائل تحته، وهو دليل على أن إرادة الله تعالى يصح تعلقها بالإغواء، وأن خلا ف مراد الله تعالى محال. ولذلك قيل : مراد الله من خلقه ما هم عليه. ثم قال :﴿هو ربُكمْ﴾ ؛ خالقكم والمتصرف فيكم وفق إرادته. ﴿وإليه تُرجعون﴾ فيجازيكم على أعمالكم.
الإشارة : ينبغي لأهل الوغظ والتذكير أن لا يملوا ـ ولو أكثروا ـ إذا قابلهم الناس بالبعدُ والإنكار، وليقولوا : ولا ينفعكم نصحنا إن أردنا ان ننصحكم ﴿إن كان الله يريد أن يُغويكم...﴾ الآية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٠
يقول الحق جل جلاله :﴿أمْ يقولون﴾ ؛ أي : كفار قريش : هذا الذي يقرؤه محمد علينا، ويقصه من خبر مَن قبلنا ﴿افتراه﴾ من عنده. ﴿قل﴾ لهم :﴿إن افتريتُه﴾ ؛ تقديراً ﴿فعليَّ إجرامي﴾ ؛ اي : وباله عليَّ دونكم، ﴿وأنا بريء مما تُجرمون﴾ ؛ مما ترتكبون من الإجرام بتكذيبكم وكفركم.
الإشارة : ينبغي لمن قوبل بالتكذيب والإنكار أن يكتفي بعلم الله، ويقول لمن كذبه ما قال نبيه ﷺ لمن كذبه :﴿إن افتريته فعلي إجرامي...﴾ الآية. وفي الحِكَم :" متى آلمك عدم إقبال الناس عليك، أو توجههم بالذم إليك، فارجع إلى علم الله فيك، فإن كان لا يقنعك علمه فمصيبك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم ".
٢١١