﴿ويصنعُ الفلكَ﴾، حكي ما وقع بصيغة الحال ؛ استحضاراً لتلك الحال العجيبة، ﴿وكلمَّا مرَّ عليه ملأٌ﴾ : جماعة ﴿من قومه سَخرُوا منه﴾ : استهزؤوا به : لأنه كان يعمل السفينة في برية بعيدة من الماء. أو أن عزته تنفي صنعته، فكان يضحكون منه، ويقولون له : صرت نجاراً بعد أن كنت نبياً. ﴿قال﴾ لهم :﴿إنْ تسخروا منا فإنا نسخرُ منكم كما تسخرون﴾، فنسخر منكم حين يأخذكم في الدنيا الغرق، وفي الآخرة الحرق. ﴿فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يُخزيه﴾، وهو : الغرق، والحرق بعده. ﴿ويَحِلُّ﴾ أي : ينزل ﴿عليه عذاب مقيمٌ﴾ : دائم، وهو النار يوم القيامة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٢
الإشارة : إذا تحقق الولي بإعراض الخلق عنه، وأيس منهم أن يتبعوه، فلا يحزن، ولا يغتم منهم، ففي الله غنى عن كل شيء، وليس يُغني عنه شيء. وفي إعراض الخلق راحة لقلب الولي ولبدنه، فإذا سخروا منه فليقل في نفسه : إن تسخروا منا اليوم، فنسخر منكم حين تحقق الحقائق، فيرتفع المقربون، وينسفل الباطلون، وكان شيخ أشياخنا سيدي علي العمراني رضي الله عنه كثيراً ما يقول : ليت القيامة قامت، حتى يظهر الرجال من غيرهم. أو ما هذا معناه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٢
قلت :(حتى) : غاية لقوله :(ويصنع الفلك)، أو ابتدائية. و(اثنين) مفعول باحمل، و(أهلك) : عطف عليه.
يقول الحق جل جلاله :﴿حتى إذا جاء أمرُنا﴾ بغرقهم، أو أمرنا للأرض بالفوران وللسحاب بالإرسال، ﴿وفار التنورُ﴾ ؛ نبع الماء منه وارتفع كالقدر تفور. والتنور : تنور الخبز، ابتدأ منه النبوع، على خرق العادة، أرادت ابنته أن تسجره ففار الماء في النار، رُوي أنه كان تنور آدم، خلص إلى نوح فكان يوقد فيه، وقيل : كان في الكوفة في موضع مسجدها. وقيل : في الهند، وقيل : التنور : وجه الأرض. قاله ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon