فلما فار بالماء ﴿قلنا احْمِلْ فيها﴾ ؛ في السفينة، ﴿من كل زوجين اثنين﴾ ؛ من كل نوح من الحيوان ؛ ذكراُ وأنثى ـ رُوي أن نوحاً عليه السلام وقف على باب السفينة، وحشر إليه الوحوش، فكان الذكر يقع في يمينه، والأنثى في شماله، وهو يُدخل في السفينة. وآخر ما دخل الحمار، فتمسك الشيطان بذنبه ؛ فزجره نوح فلم ينعق، فدخل معه، فجلس عند مؤخر السفينة. ورُوي أن نوحاً عليه السلام آذاه نتن الزبل والعذرة، فأوحى الله إليه : أن امسح على ذنب الفيل، فخرج من انفه خنزير وخنزيرة، فكفياه أمر ذلك الأذى. ورُوي أن الفأر آذى الناس فاوحى الله إليه : أن امسح على جبهة الأسد ففعل، فعطس فخرج منه هرٌّ وهرَّة. فكفياه أمر الفأر. انظر ابن عطية.
﴿و﴾ احمل أيضاً ﴿أهْلكَ﴾ أي : امرأتك وبنيك ونساءهم، ﴿إلا من سبقَ عليه القولُ﴾ : أنه من المغرقين يريد : ابنه كنعان وأمه وَاعِلة، فإنهما كانا كافرين. ﴿و﴾ احمل ﴿من آمن﴾ بك. قال تعالى :﴿وما آمن معه إلا قليلٌ﴾، قيل : كانوا تسعةَ وسبعين : زوجته المسلمة، وبنوه الثلاثة : حام وسام ويافث، ونساؤهم، واثنان وسبعون رجلاً وامرأة من غيرهم. وفي بعض الآثار : أن النبي ﷺ قال " سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبوالحبش ". قاله ابن عطية : وسيأتي خلافه في سورة الصافات. وهو الراجح. وقال البيضاوي : رُوي ان نوحاً عليه السلام اتخذ السفينة في سنتين، وكان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين، وسمكها ثلاثين. وجعل لها ثلاثة بطون. فحمل في أسفلها الدواب والوحش، وفي وسطها الإنس، وفي أعلاها الطير. هـ. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٣
الإشارة : حتى إذا جاء أمرنا بكمال الطهارة من العيوب، وفار تنور القلب بعلم الغيوب وجرت سفينة الفكرة في بحار التوحيد، وأسرار التفريد، قلنا : احمل فيها من كل زوجين اثنين ؛ علم الشريعة والحقيقة، وعلم الحكمة القدرة، وعلم الحس والمعنى،
٢١٤