وحال بينهما الموجُ} ؛ بين نوح وابنه، ﴿فكان من المغرَقين﴾ ؛ فصار من المهلكين بالماء. رُوي أنه صنع بيتاً من زجاج، وحمل معه طعامه وشرابه، وصعد على وجه الماء فسلط الله عليه البول حتى غرق في بوله، والله تعالى أعلم بشأنه. الإشارة : إذا دخل العارف في بحر الفناء، وغاب عن حسه ورسمه، واتصل معناه ببحر معاني الأسرار، جرت سفينة فكرته في بحر الذات وأنوار الصفات، فقال لأصحابه : اركبوا فيها، بسم الله مجريها ومرساها، إن ربي لغفور رحيم، حيث غطى وصفكم بوصفه، ونعتكم بنعته. فوصلكم بما منه إليه، لا بما منكم إليه، فصارت سفن الأفكار تجري بهم في موج كالجبال، وهي تيار بحر الذات. فالخمرة الأزلية الخفية الصافية بحر لا ساحل له، وما ظهر من أنوار الصفات أمواجه. فأنوار الآثار هي أمواج البحار، وما عظم من أمواجه يسمى التيار، ولذلك قيل : العارفون يغرقون في بحر الذات، وتيار الصفات، فتراهم إذا غرقوا في بحر الأسرار وتيار الأنوار، وساروا فيها بمدد أسرارهم، تلاطمت عليهم أمواجه. وهي تجري بهم في موج كالجبال، فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، فآواه إلى جبل السنة المحمدية فكان من الناجين.
وآخرون حال بيهم الموج، فكانوا من المغرقين، فالتبس الأمر عليهم، فقالوا بالحلول والاتحاد، أو نفي الحكمة والأحكام. وهذا في حق من ركب بلا رئيس ماهر، وإلا رده إلى سفينة النجاة، وهي : التمسك بالشريعة المحمدية في الظاهر، والتحقق بالحقيقة الأصلية. وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٥
قلت :(بعداً) : منصوب على المصدر، أي : أبعَدوا بعداً.
يقول الحق جل جلاله :﴿وقيل﴾ أي : قال الله :﴿يا ارضُ ابلعي ماءك﴾ الذي خرج
٢١٦
منك، فانفتحت أفواهاً، فرجع إليها ما خرج منها، ﴿ويا سماءُ أَقلعي﴾ : أمسكي عن الإمطار. رُوي أنها أمطرت من كل موضع. فبقي ما نزل منها بحاراً على وجه الأرض.