قال البيضاوي : نوديا بما ينادى به أولو العلم، وأُمرا بما يؤمنون به، تمثيلاً لكمال قدرته، وانقيادهما لما يشاء تكوينه فيهما، بالأمر المطاع، الذي يأمر المنقاد لحكمه، المبادر إلى امتثال أمره، مهابة من عظمته، وخشية من أليم عقابه. والبلع : النشف، والإقلاع : الإمساك. هـ.
﴿وغيض الماءُ﴾ ؛ نقص ولم ينشف ما خرج منها، ﴿وقُضِيَ الأمرُ﴾ : وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين، وإنجاء المؤمنين، ﴿واستوتْ﴾ : استقرت السفينة ﴿على الجُودي﴾ ؛ جبل بالموصل. وقيل : بالشام. وتقدم أنه نزل يوم عاشوراء، فصامه شكراً. وبقي ستة أشهر على الماء. ﴿وقيل بُعداً للقوم الظالمين﴾ ؛ هلاكاً لهم. يقال بعد، إذا بعد بعداً بعيداً، بحيث لا يرجى عوده، ثم استعير للهلاك. وخص بدعاء السوء.
والآية ـ كما ترى ـ في غاية الفصاحة ؛ لفخامة لفظها وحسن نظمها، والدلالة على كنه الحال مع الإيجاز الخالي عن الإخلال. وإيراد الأخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل، وأنه متعين في نفسه، مستغن عن ذكره، إذ لا يذهب الوهم إلى غيره ؛ للعلم به، فإن مثل هذه الأفعال لا يقدر عليها سوى الواحد القهار. قاله البيضاوي.
فإن قلت : قد عم الغرق الدنيا كلها، مع أن دعوة نوح عليه السلام لم تكن عامة، وقد قال تعالى :﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىا نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء : ١٥] ؟ فالجواب : أن الكفر قد كان عم الموجودين في ذلك الزمان، مع تمكنهم من النظر والاستدلال على الصانع وتوحيده، ومع قدرتهم على الإتيان إلى نوح في أمر الشرائع، فقصروا في الجهتين. وأيضاً : لم تكن الأرض كلها معمورة بالناس، فكل من كان موجوداً سمع بدعوة نوح فجحدها. والله تعالى أعلم. وانظر ابن عطية عند قوله :﴿واصنعِ الفلك﴾. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon