الإشارة : إذا توالت على القلب الواردات الإلهية السماوية، والأحوال النفسانية المزعجة، خيف على العقل الاختطاف والاصطدام، فقيل : يا أرض النفس ابلعي ماءك واسكني، ويا سماء الواردات أقلعي، وغيض الماء، أي : نقص هيجان الحال، وقضي الأمر بالاعتدال، واستوت سفينة الفكرة على جبل العقل، فحاز الشرف والكمال ؛ لكونه برزخاً بين بحرين، يعطي الحقيقة حقها والشريعة حقها، فيعطي كل ذي حق حقه، ويوفى كل ذي قسط قسطه. وقيل : بُعداً لمن تخلف عن هذا المقام، وظلم نفسه بإلقائها في سجن الهوى وغيهب الظلام. والله تعالى أعلم.
٢١٧
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٦
قلت :(وإنَّ وعدك) : عطف على (إن ابني). و(أنت أحكم) : حال من الكاف. و(إني أعظك) : مفعول من أجله، أي : كراهية أن تكون من الجاهلين.
يقول الحق جل جلاله :﴿ونادى نوحٌ ربَّه﴾ بعد تعميم الغرق، أي : أراد النداء بدليل عطف قوله :﴿فقال ربِّ إنَّ ابني من أهلي﴾، فإنه هو النداء، أو تكون فصيحة، جواباً عن مقدر، كأن قائلاً قال : ماذا في ندائه ؟ فقال : إن ابني من أهلي وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي، ﴿وإن وعَدَكَ الحقُّ﴾ لا يتطرقه الخلف، فما باله غرِق ؟ ﴿وأنت أحكمُ الحاكمين﴾ ؛ لأنك أعلمهم وأعدلهم، فلم أعرف وجه حكمك عليه بالغرق. أو لأنك أكثر حكمة من ذوي الحكم، فلم أفهم حكمة غرقه.