يقول الحق جل جلاله : قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ؛ بمعجزة واضحة تدل على صدق دعواك، وهذا كذب منهم وجحود ؛ لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات. وفي الحديث " ما مِنْ نَبي إلاَّ أُوتي من المعجزات ما مثلُهُ آمنَ عَليه البشَرُ، وإَنَّما كَانَ الذِي أُوتيتُه وحياً أُوحي إلي، فأرجُوا أن أكُون أكثرهم تَابِعاً يوم القِيَامةِ ". كما في الصحيح. ويحتمل أن يريدوا : ما جئتنا بآية تضطر إلى الأيمان بك، وإن كان قد أتاهم
٢٢١
بآية نظرية. ولم يذكر في القرآن معجزة معينة لهود عليه السلام، مع الاعتقاد أنه لم يخل من معجزة ؛ لما في الحديث.
ثم قالوا :﴿وما نحن بتاركي آلهتنا﴾ ؛ بتاركي عبادتهم ﴿عن قولك﴾ أي : بسبب قولك أو صادرين عن قولك، ﴿وما نحن لك بمؤمنين﴾ أبداً، وهو إقناط له عن الإجابة والتصديق. ﴿إن نقول إلا اعتراك﴾ ؛ أصابك ﴿بعض آلهتنا بسوء﴾ ؛ بجنون ؛ لما سببْتها، ونهيت عن عبادتها، ولذلك صرت تهذو وتتكلم بالخرافات.
﴿قال﴾ هود عليه السلام :﴿إني أُشهد الله﴾ على براءتي من شرككم، ﴿واشهدوا أني بريء مما تُشركون من دونه فكيدوني﴾ أي : اقصدوا كيدي وهلاكي، ﴿جميعاً﴾، أنتم وشركاؤكم، ﴿ثم لا تنظرون﴾ ؛ لا تؤخرون ساعة. وهذا من جملة معجزاته، فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة، والفتاك العِطاش إلى إراقة دمه، بهذا الكلام، ليس إلا لتيقنه بالله، ومنعُهم من إضراره ليس إلا لعصمته إياه. ولذلك عقبه بقوله :﴿إني توكلتُ على الله ربي وربكم﴾، فهو تقرير له. والمعنى : أنكم وإن بذلتم غاية وسعكم لم تضروني ؛ فإني متوكل على الله، واثق بكلاءته، وهو مالكي ومالككم، لا يحيق بي ما لم يُرده، ولا تقدرون على ما لم يُقدره.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢١