َ كل جبارٍ عنيد} يعني : كبراءهم الطاغين، والعنيد : الطاغي، والمعنى : عصوا من دعاهم إلى الإيمان وما ينجيهم، وأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم، ﴿وأُتبعوا في هذه الدنيا لعنةً ويومَ القيامة﴾ أي : جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين ؛ في الدنيا أهلكتهم، وفي الآخرة أحرقتهم.
﴿ألا إن عاداً كفروا ربَّهم﴾ ؛ جحدوه، أو كفروا نعمه. وفيه تشنيع لكفرهم وتهويل لأمرهم، بالإتيان بحرف التنبيه، وتكرار اسم عاد ؛ ﴿ألا بعداً لعادٍ﴾ أي : هلاكاً لهم، دعا عليهم بالهلاك بعد أن هلكوا ؛ للدلالة على أنهم كانوا مستحقين له، مستوجبين لما نزل بهم ؛ بسبب ما حكي عنهم. وإنما كرر " ألا " وأعاد ذكرهم ؛ تفظيعاً لأمرهم، وحثاً على الاعتبار بحالهم. ثم بيَّنهم بقوله :﴿قوم هود﴾. فهو عطف بيان لعاد، وفائدته : تمييزهم عن عاد الثانية التي هي عاد إرم، والإيمان إلى استحقاقهم للبعد، بما جرى بينهم وبينه. قاله البيضاوي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٣
الإشارة : من أراد سلامة الدارين والظفر بقرة العين، فليتمسك بالإيمان بالله، وبكل رسول أتى من عند الله، وليتبع من يدعو إلى الله. وهم أهل المحبة والوداد، السالكون مناهج الرشاد والسداد. وليتجنب كل جبار عنيد، وهو : كل من يحول بينك وبين الله، ويغفلك عن ذكر الله. وقوله تعالى :(أَلا بُعداً لعاد) وأخواتها، فيها تخويف لأهل القرب والوصال.
قال في الإحياء : ولخصوص المحبين مخاوف في مقام المحبة، ليست لغيرهم، وبعض مخاوفهم أشد من بعض، فأولها : خوف الإعراض، وأشد منه : خوف الحجاب، وأشد منه خوف الإبعاد، وهذا المعنى من سورة هود هو الذي شيب سيد المحبين، أنه سمع :(ألا بُعداً لعاد)، (ألا بُعداً لمدين)، وإنما تعظم هيبةُ البُعد وخوْفُه في قلب من ألف القرب وذاقه، وتنعَّم به. ثم قال : ثم خوف الوقوف وسلب المزيد، فإنا قَدَّمنا : أن درجات القرب لا نهاية لها. هـ.