شأن الضيف اللبيب المبادرة إلى أكل ما قُدِّمَ إليه، من غير اختبار، إلا لمانع شرعي أو عادي. ومن شأن أهل التحقيق والتصديق ألا يتعجبوا مما يظهر من القدرة من الخوارق ؛ إذ القدرة صالحة لكل شيء، حاكمة على كل شيء، هي تحكم على العادة، لا العادة تحكم عليها. وهذا شأن الصديقين ؛ لا يتعجبون من شيء ؛ ولا يستغربون شيئاً، ولذلك توجه الإنكار إلى سارة من الملائكة، ولم يتوجه إلى مريم ؛ حيث سألت ؛ استفهاماً، ولم تتعجب، ووصفت بالصديقية دون سارة. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٧
قلت :" لما " : حرف وجود لوجود، تفتقر للشرط والجواب. فشرطها :" ذهب "، وجوابها : محذوف أي : جعل يجادلنا. والتأوه : التفجع والتأسف، ومنه قول الشاعر :
إِذا ما قمتُ أرحَلُهَا بليلٍ
تأوّهُ آهةَ الرجل الحزين
يقول الحق جل جلاله :﴿فلما ذهب عن إبراهيمَ الرَّوعُ﴾، وهو ما أوجس في نفسه من الخيفة، ﴿وجاءته البشرى﴾ بدل الروع، جعل ﴿يُجادلنا﴾ أي : يخاصم رسلنا ﴿في﴾ شأن ﴿قوم لوطٍ﴾، ويدفع عنهم، قال :﴿إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا﴾ [العنكبوت : ٣٢]، ﴿إنَّ إبراهيمَ لحليمٌ﴾، غير عجول من الانتقام إلى من أساء اليه. ﴿أواهٌ﴾ ؛ كثير التأوه والتأسف على الناس، ﴿منيب﴾، راجع إلى الله. والمقصود من ذلك : بيان الحامل له على المجادلة، وهي : رقة قلبه وفرط ترحمه. قال تعالى على لسان الملائكة :﴿يا إبراهيمُ أعرضْ عن هذا﴾، الجدال ؛ ﴿إنه قد جاء أمرُ ربك﴾ بهلاكهم، ونفذ قضاؤه الأزلي فيهم، ولا مرد لما قضى، ﴿وإنهم آتيهم عذاب غير مردود﴾ ؛ غير مصروف بجدال ولا دعاء، ولا غير ذلك.