الإشارة : قال الورتجبي : قوله تعالى ﴿إن أبراهيم لحليم أواه﴾ ؛ حليم بأنه كان لا يدعو على قومه، بل قال ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم : ٣٦] وتأوه زفرة قلبه من الشوق إلى جمال ربه، هكذا وصْف العاشقين. ثم قال : ومجادلته كمال الانبساط، ولم يكن جهلاً، ولكن كان مُشفقاً، باراً كريماً، رأى مكانة نفسه في محل الخلة والاصطفائية القديمة، وهو تعالى يُحب غضب العارفين، وتغير المحبين، ومجادلة
٢٢٩
الصديقين، وانبساط العاشقين حتى يحثهم على ذلك.
وفي الحديث المروي عن النبي ﷺ قال :" لما أُسري بي رأيت رجلاً في الحضرة يتذمر، فقلت لجبريل : من هذا ؟ فقال : أخوك موسى يَتَذَمَّرُ عَلَى ربهِ ـ أي : يجترئ عليه انبساط ـ فقلت : وهل يليق له ذلك ؟ فقال : يعرفه ؛ فيتحمل عنه " ثم قال : ولا يجوز الانبساط إلا لمن كان على وصفهم. هـ. قال في الصحاح : يَتَذَمَّرُ على فلان : إذا تَنَكَّرَ له وأَوعَدَهُ. قاله المحشي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٩
والحاصل أن إبراهيم عليه السلام حملته الشفقة والرحمة، حتى صدر، منه ما صدر مع خلته واصطفائيته، فالشفقة والرحمة من شأن الصالحين والعارفين المقربين، غير أن العارفين بالله مع مراد مولاهم، يشفقون على عباد الله، ما لم يتعين مراد الله، فالله أرحم بعباده من غيره. ولذلك قال لخليله، لما تعين قضاؤه :﴿يا أبراهيم أعرض عن هذا﴾. فالشفقة التي تؤدي إلى معارضة القدر لا تليق بأهل الأقدار، وفي الحكم " ما ترك من الجهل شيئاً من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره الله ". ولهذا قالوا : الشفقة لا تليق بالأولياء.