يقول الحق جلاله :﴿ولما جاءت رسلُنا﴾، وهم الملائكة المتقدمون، ﴿لوطاً سِيءَ بهم﴾ ساءه مجيئهم ؛ لأنهم أتوه في صورة غلمان حسان الوجوه، فظن أنهم بشر، فخاف عليهم من قومه أن يقصدوهم للفاحشة، ولا يقدر على مدافعتهم، ﴿وضاقَ بهم ذرعاً﴾ أي : ضاق صدره بهم، ﴿وقال هذا يومٌ عصيبٌ﴾ : شديد من عصبه : إذا شده، ورُوي أن الله تعالى قال لهم : لا تهلكوا قومه حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فلما مشى معهم منطلقاً بهم إلى منزله، قال لهم : أما بلغكم أمر هذه القرية ؟ قالوا : وما أمرهم ؟ قال : أشهد بالله أنها شرُّ قرية في الأرض عملاً. قال ذلك أربع مرات. فدخلوا منزله، ولم يعلم بذلك أحد، فخرجت امرأته فأخبرتهم، ﴿وجاءه قومُه يُهرَعُون﴾ ؛ يُسرعون ﴿إليه﴾ كأنهم يُدفعون إليه دفعاً، لطلب الفاحشة من أضيافه. ﴿ومن قبل﴾ ذلك الوقت ﴿كانوا يعملون السيئات﴾ ؛ الفواحش، كاللواطة، وغيرها، مستمرين عليها مجاهرين بها، حتى لم يستحيوا وجاؤوا يهرعون إليها.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٠
قال يا قوم هؤلاء بناتي﴾ تزوجوهن، وكانوا يطلبونهن قبل، فلا يجيبهم لخبثهم، وعدم كفاءتهم، لا لحرمة المسلمات على الكفار، فإنه شرع طارئ ؛ قال ابن جزي : وإنما قال لهم ذلك ؛ ليقي أضيافه ببناته. قيل : إن اسم بناته، الواحدة : ريثا، والأخرى : غوثاً. هـ. ولم يذكر الثالثة، فعرضهن عليهم، وقال :﴿هنَّ أطهرُ لكم﴾ ؛ أحل لكم، أو أقل فحشاً، كقولك : الميتة أطيب من المغضوب، ﴿فاتقوا الله﴾ بترك الفواحش، ﴿ولا تُحزون﴾ ؛ لا تفضحوني ﴿في ضيفي﴾ ؛ في شأنهم، فإن افتضاح ضيف الرجل خزي له. ﴿أليس منكم رجلٌ رشيدٌ﴾ ؛ عاقل يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح.