﴿قالوا لقدْ علمتَ ما لنا من بناتك من حقٍّ﴾ ؛ من حاجة، ﴿وإنك لتعلم ما نُريد﴾ وهو إتيان الذكران، ﴿قال لو أن لي﴾ ؛ ليت لي ﴿بكم قوةً﴾ طاقة على دفعكم بنفسي، ﴿أو آوي إلى ركن شديد﴾ ؛ أو ألجأ إلى أصحاب أو عشيرةٍ يحمونَني منكم، شبه ما يتمتع بهم بركن الجبل في شدته، قال ﷺ " رَحِمَ اللَّهُ أَخي لُوطاً لقد كَانَ يأوي إِلى رُكنٍ
٢٣١
شَديدٍ " يعني : الله تعالى.
رُوي أنه أغلق بابه دون أضيافه، وأخذ يجادلهم من وراء الباب، فتسوروا الجدار، فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب، ﴿قالوا يا لوطُ إنا رُسلُ ربك لن يصلُوا إليك﴾ : لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا، فهو عليك ودَعْنا وإياهم. فخلاهم، فلما دخلوا ضرب. جبريل عليه السلام بجناحيه وجوههم، فطمس أعينهم، وأعمالهم، فخرجوا يقولون : النجاء ؛ النجاء في بيت لوط سحرة، فقالت الملائكة للوط عليه السلام :﴿فأسرٍ بأهلك﴾ ؛ سِر بهم ﴿بقطع من الليل﴾ : بطائفة منه، ﴿ولا يلتفت منكم أحدٌ﴾ : لا يتخلف، أو لا ينظر إلى ورائة ؛ لئلا يرى ما يهوله. والنهي في المعنى يتوجه إلى لوط، وإن كان في اللفظ مسنداً إلى أحد.
﴿إلا امرأتك﴾، اسمها : واهلة، أي : فلا تسر بها، أو : ولا ينظر أحد منكم إلى ورائه إلا امرأتك ؛ فإنها تنظر. رُوي أنها خرجت معه، فلما سمعت صوات العذاب التفتت وقالت : يا قوماه ؛ فأدركها حجر فقتلها، ولذلك قال :﴿أنه مُصيبُها ما أصابهم﴾ من العذاب، ﴿إن موعدَهُم﴾ وقت ﴿الصُّبحُ﴾ في نزول العذاب بهم، فاستبطأ لوط وقتَ الصبح، وقال : هلا عُذبوا الأن ؟ فقالوا :﴿أليس الصبح بقريب﴾.
﴿فلما جاء أمرنا﴾ ؛ عذابنا، أو أمرنا به، ﴿جعلنا﴾ مدائنهم ﴿عاليَها سافلَها﴾، رُوي أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت مدائنهم، ورفعها إلى السماء، حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب، وصياح الديكة، ثم قلبها بهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٠