يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ أرسلنا ﴿إلى مَدْيَنَ أخاهم شعيباً﴾، أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه السلام أو أهل مدين، وهي بلدهُ، فسميت باسمه، ﴿قال يا قوم اعبدوا الله﴾ وحده ؛ ﴿ما لكم من إله غيره ولا تَنقُضوا المكيالَ والميزان﴾، وكانوا مطففين. أمرهم أولاً بالتوحيد ؛ فإنه رأس الأمر، ثم نهاهم عما اعتادوا من : البخس المنافي للعدل، المخل بحكمة المعاوضة، ثم قال لهم :﴿إني اراكم بخيرٍ﴾ ؛ بسعة كرخص الأسعار، وكثرة الأرزاق، فينبغي أن تشكروا عليها، وتتعففوا بها عن البخس، لا أن تنقضوا الناس حقوقهم، أو بسعة ونعمة، فلا تزيلوها بما أنتم عليه ؛ فإن من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها، ﴿وإني أخاف عليكم عذابَ يوم محيط﴾ ؛ يوم القيامة، فإنه محيط بكل ظالم، أو عذاب الاستئصال في الدنيا، ووصف اليوم بالإحاطة، وهي صفة العذاب ؛ لاشتماله عليه.
٢٣٣
﴿ويا قوم أوفوا الميكالَ والميزان بالقسط﴾ ؛ بالعدل من غير زيادة ولا نقصان. صرح بالأمر بالاستيفاء بعد النهي عن ضده ؛ مبالغةً، وتنبيهاً على أنهم لا يكفيهم الكف عن تعمد التطفيف، بل يلزمهم السعي في الإيفاء ولو بالزيادة، حيث لا يتأتى دونها، وقد تكون الزيادة محظورة، ولذلك أمرهم بالعدل في قوله :(بالقسط)، بلا زيادة ولا نقصان.
﴿ولا تبخسوا الناسَ أشياءهم﴾ لا تنقصوهم حقهم، وهو تعميم بعد تخصيص، فإنه أعم من أن يكون في الميزان والمكيال وفي غيره، وكذا قوله :﴿ولا تَعْثَوا في الأرض مفسدين﴾ ؛ فإن العثو ـ وهو الفساد ـ يعم تنقيص الحقوق وغيره من أنواع الفساد. وقيل : المراد بالبخس : المكس، كأخذ العشور في المعاملات، والعثو : السرقة وقطع الطريق والغارة، وأكد بقوله :﴿مفسدين﴾ وفائدته : إخراج ما يقصد به الإصلاح، كما فعل الخضر عليه السلام، وقيل : معناه : مفسدين أمر دينكم ومصالح آخرتكم. قاله البيضاوي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٣