بقيةُ اللَّهِ} ؛ أي : ما أبقاه لكم من الحلال بعد التنزه عن الحرام، ﴿خيرٌ لكم﴾ مما تجمعون بالتطفيف، ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ ؛ فإن الإيمان يقتضي الاكتفاء بالحلال عن الحرام. أو إن كنتم مؤمنين فالبقية خير لكم، فإن خيريتها تظهر باعتبار الثواب والنجاة من العذاب، وذلك مشروط بالإيمان، أو : إن كنتم مصدقين لي في قولي لكم. وقيل : البقية : الطاعة، كقوله ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف : ٤٦]. وقرئ :" تقية الله " ؛ أحفظ عليكم أعمالكم، وأجازيكم عليها، إنما أنا نذير وناصح مبلغ، وقد أعذرت حين أنذرت. أو : أحفظكم عن القبائح وأمنعكم منها. أو : لست بحافظ عليكم نعم الله إن سُبلت عنكم بسوء صنيعكم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : كما أمر الحق تعالى بالوفاء في الموازين أمر بالوفاء في الأعمال والأحوال والمقامات. ولذلك قيل للجنيد في النوم : أفضل ما يُتقرب به إلى الله عمل خفي، بميزان وفي، فالوفاء في الأعمال : إتقانها في الظاهر، باستيفاء شروطها وآدابها، وإخلاصها في الباطن مع حضور القلب فيها. والوفاء في الأحوال : ألا تخرج عن قواعد الشريعة، بأن لا تكون محرمة ولا مكروهة، وأن يقصد بها موت النفوس وحياة الأرواح، والوفاء في المقام : ألا ينتقل عن مقام إلى غيره حتى يتحقق بالمقام الذي أنزل فيه. وفيه خلاف بين الصوفية : هل يصح الانتقال عن مقام قبل التحقق به، ثم يحققه في المقام الذي بعده، أم لا ؟.
والمقامات التي ينزل فيها المريد : التوبة، الخوف، الرجاءُ، والورع، والزهد، والتوكل، والصبر، والرضى، والتسليم، والمحبة، والمراقبة، والمشاهدة بالفناء ثم البقاء، أو الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان. فلا ينتقل من مقام إلى ما بعده حتى يحقق المقام
٢٣٤


الصفحة التالية
Icon