يقول الحق جل جلاله :﴿قال﴾ شعيب لقومه :﴿يا قوم أرأيتم إن كنتم على بينةٍ من ربي﴾، وهي النبوة والعلم والحكمة، ﴿ورزقني منه﴾ ؛ من عنده، وبإعانته، بلا كد في تحصيله، ﴿رزقاً حسناً﴾ : حلالاً، إشارة إلى من آتاه من المال الحلال. فهل يسع لِي بعد هذا الإنعام، الجامع للسعادات الروحانية والجسمانية، أن أخون في وحيه، وأخالفه في أمره ونهيه، حتى لا أنهاكم عن عبادة الأوثان، والكف عن العصيان، والأنبياء لا يبعثون إلا بذلك، وهذا منه اعتذار لما أنكروا عليه من الأمر بالخروج عن عوائدهم، وترك ما ألفوه من دينهم الفاسد، أي : كيف أترك ما أمرني به ربي من تبليغ وحيه، وأنا على بينة منه، وقد أغناني الله عنكم وعن غيركم. ولذلك قال إثره :﴿وما أريدُ أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه﴾ أي : وما أريد أن آتي ما أنهاكم عنه ؛ لأَستبد به دونكم، فتتهموني إن أردت الاستبداد به. يقال : خالفني فلان إلى كذا : إذا قصده، وأنت مول عنه، وخالفني عنه : إذا ولى عنه وأنت قاصده. ﴿إن أريدُ إلا صلاحَ ما استطعت﴾ أي : ما أريد إلا أن أصلحكم بأمري لكم بالمعروف، ونهيي لكم عن المنكر جهد استطاعتي.
قال البيضاوي : ولهذه الأجوبة الثلاثة على هذا النسق شأن، وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره أحد حقوق ثلاثة : أهمها وأعلاها : حق الله تعالى. وثانيها : حق النفس، وثالثها : حق الناس. هـ. قلت : فحق الله : كونه على بينة من ربه، وحق النفس : تمكينه من الرزق الحسَن. وحق الناس : نصحهم من غير طمع، ولا حظ.
٢٣٦


الصفحة التالية
Icon