ثم قال :﴿وما توفيقي إلا بالله﴾ ؛ وما توفيقي لإجابة الحق، والصواب إلا بهدايته ومعونته، ﴿عليه توكلتُ﴾ ؛ فإنه القادر على كل شيء، وما عداه عاجز بل معدوم، ساقط عن درجة الاعتبار. وفيه إشارة إلى محض التوحيد، الذي هو أقصى مراتب العلم بالله. ﴿وإليه أُنيب﴾ ؛ أرجع في جميع أموري. ﴿ويا قوم لا يجرمنكم﴾ : لا يُكسبنكم ﴿شقاقي﴾ : معاداتي، ﴿أن يُصيبكم مثل ما أصاب قومَ نوح﴾ من الغرق، ﴿أو قومَ هودٍ﴾ من الريح، ﴿أو قومَ صالحٍ﴾ من الصيحة، والمعنى : لا تخالفوني فيجركمْ ذلك إلى الهلاك كما هلك الأمم قبلكم، ﴿وما قومُ لوطٍ منكم ببعيدٍ﴾ ؛ زماناً ولا مكاناً، فإن لم تعتبروا بمن قبلكم، فاعتبروا بهم ؛ إذ هم ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوئ، فلا يبْعد عنكم ما أصابهم. وإنما أفرد " بعيد " ؛ لأن المراد : وما إهلاكهم، أو وما هم بشيء بعيد. ﴿واستغفروا ربَّكم ثم تُوبوا إليه﴾ عما أنتم عليه ؛ ﴿إن ربي رحيم﴾ ؛ عظيم الرحمة للتائبين ﴿ودود﴾ ؛ متودد إليهم، فاعل بهم من اللطف والإحسان ما يفعل البليغ بمن يوده، وهو وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار. قاله البيضاوي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٦
الإشارة : قد تضمنت خطبة شعيب عليه السلام ست خصال، من اجتمعت فيه فاز بسعادة الدارين : الأولى : فتح البصيرة، ونفوذ العزيمة، وتنوير القلب بمعرفة الله، حتى يكون على بينة من ربه.
الثانية : تيسير الرزق الحلال، من غير تعب ولا مشقة، يستعين به على طاعة ربه، ويقوم به بمؤنة أمره.
الثالثة : السعي في إصلاح عباد الله وإرشادهم، ودعاؤهم إلى الله من غير طمع ولا حرف، ويكون حاله يصحح مقاله، فلا يترك ما أمر به، ولا يفعل ما نهى عنه.
الرابعة : الاعتماد على الله والرجوع إليه في توفيقه وتسديده، وفي أمر دنياه ودينه، بحيث لا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا منه.