يقول الحق جل جلاله :﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا﴾ ؛ بمعجزاتنا الدالة على صدقه، ﴿وسلطان مبين﴾ ؛ وتسلط ظاهر على فرعون، أو برهان بيِّن على نبوته. قال البيضاوي : والفرق بينهما : أن الآية تعم الأمارة والدليل القاطع، والسلطان يخص بالقاطع، والمبين يخص بما فيه جلاء. هـ. أرسلناه ﴿إلى فرعون وملئه﴾ ؛ جماعته، ﴿فاتبعوا أمرَ فرعون﴾ أي : اتبعوا أمره بالكفر بموسى، أو : فما اتبعوا موسى الهادي إلى الحق، المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة، واتبعوا طريقة فرعون المنهمك في الضلالة والطغيان، الداعي إلى ما لا يخفى فساده على من له أدنى مسكة من العقل ؛ لفرط جهالتهم، وعدم استبصارهم، ﴿وما أمرُ فرعون برشيد﴾ أي : ليس أمره برشد وصواب، وإنما هو غي وضلال.
﴿يَقْدُمُ قومَه يوم القيامة﴾ إلى النار، كما يتقدم في الدنيا إلى الضلال، ﴿فأوردهم﴾ : أدخلهم ﴿النار﴾ ذكره بلفظ الماضي ؛ مبالغة في تحققه، ونزّل النار لهم منزلة الماء، فسمى إتيانها مورداً ثم قال :﴿وبئس الورد المورود﴾ أي : بئس المَوْرد الذي وردوه، فإنَّ المورد إنما يراد لتبريد الأكباد، وتسكين العطش، والنار بضد ذلك. والآية كالدليل على قوله :﴿وما أمر فرعون برشيد﴾ ؛ فإنَّ من هذا عاقبته لم يكن في أمره رشد، أو تفسير له، على أن المراد بالرشيد : ما يكون مأمون العاقبة حميدها. قاله البيضاوي. ﴿وأتبعوا في هذه لعنةً ويومَ القيامة﴾ أي : تتبعهم اللعنة في الدارين ﴿بئس الرفدُ المرفود﴾ : بئس العون المعان، أو العطاء المعطى. فالرفد : العطاء، والإرفاد : المعونة، ومنه : رفادة قريش، أي : معونتهم للفقراء في الحج بالطعام. والمخصوص بالذم محذوف، أي : رفدهم، وهو اللعنة في الدارين.