الإشارة : إذا أردتَ أن تعرف قدر الرجل في مرتبة الخصوصية ؛ فاسأل عن إمامه الذي يقتدى به، فإن كان من أهل الخصوصية فصاحبه من الخصوص، إن دامت صحبته معه، وإن كان من العموم فصاحبه من العموم. والمراد بالخصوصية : تحقيق مقام الفناء، ودخول بلاد المعاني. فكل من لم يحصل مقام الفناء، ولم يشهد إلا المحسوسات فهو من العوام، ولو بلغ من العلم والعمل ما بلغ، ولو رأى من الكرامات أمثال الجبال. فمن
٢٤٠
صحب مثل هذا الذي لم يفن عن نفسه، ولم يخرج عن دائرة حسه، لم يخرج من العمومية ؛ لأن نفسه فرعونية. قال تعالى :﴿وما أمر فرعون برشيد﴾، وفي الخبر :" المَرْءُ على دين خليله " وقال الشاعر :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٠
عن المرءِ لا تسأل وسَلْ عن قرينه
فكلُّ قرينٍ بالمُقارَنِ يَقْتَدي
والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٠
قلت :(ذلك) : مبتدأ. و(من أنباء) : خبر، و(نقصه) : خبر ثان. وجملة :(منها قائم وحصيد) : استئنافية لا حالية ؛ لعدم الرابط.
يقول الحق جل جلاله :﴿ذلك﴾ النبأ الذي أخبرناك به في هذه السورة، هو ﴿من أنباء القرى﴾ الماضية المهلَكة، ﴿نقصه عليك﴾، ونخبرك به ؛ تهديداً لأمتك وتسلية لك. ﴿منها﴾ ما هو ﴿قائم﴾ البناء باقي الأثر، ﴿و﴾ منها ﴿حصيد﴾ أي : محصود عافي الأثر، كالزرع المحصود. أو : منها ما هو ساكن بقوم آخرين، قائم العمارة بغير من هلك، ومنها ما هو دارس عفى أثره، واندرست أطلالُه.


الصفحة التالية
Icon