قال تعالى :﴿وما ظلمناهم﴾ بإهلاكنا إياهم، ﴿ولكن ظلموا أنفسهم﴾ بأن عرضوها له ؛ بارتكابهم ما يوجب هلاكهم، فعبدوا معي غيري، ﴿فما أغنت عنهم﴾ : ما نفعتهم، ولا قدرت أن تدفع عنهم العذاب، ﴿آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء﴾ من ذلك العذاب، ﴿لما جاء أمر ربك﴾ ـ ؛ حين جاءهم عذابه ﴿وكذلك أخذُ ربك﴾ أي : مثل ذلك الأخذ الوبيل أخذ ربك ﴿إذا أَخَذَ القرى وهي ظالمةٌ﴾ فلا يمهلها، وقد يمهلها ثم يأخذها. فكل ظالم معرض لذلك. وفي الحديث عنه ﷺ " إنَّ اللَّهَ ليُمْلِي للظَّالِمِ، حَتى إِذا أَخَذَهُ لَمْ يُفلِتْهُ " ثم قرأ :﴿وكذلك أخذ ربك...﴾ الآية. فالآية تعم قرى المؤمنين ؛ حيث عبَّر بظالمة دون كافرة. قاله ابن عطية. ﴿إن أخذه أليم شديد﴾ ؛ وجيع عظيم، غير مرجو
٢٤١
الخلاص منه، وهو مبالغة في التهديد والتحذير.
﴿إن في ذلك﴾ الذي نسرده عليك من قصص الأمم الدارسة، ﴿لآية﴾ ؛ لعبرة ﴿لمن خاف عذابَ الآخرة﴾ فيعتبر به ويتعظ ؛ لعلمه بأن ما خاق بهم أنموذج مما أعد الله للمجرمين في الآخرة. وأما من أنكر الآخرة فلا ينفعه هذا الوعظ والتذكير ؛ لفساد قلبه، وموت روحه.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤١
ذلك﴾
أي : يوم القيامة الذي وقع التخويف به، ﴿يوم مجموعٌ له الناسُ﴾ : محشورون إليه أينما كانوا. وعبَّر باسم المفعول دون الفعل ؛ للدلالة على الثبوت والاستقرار، ليكون أبلغ ؛ لأن " مجموع " أبلغ من " يجمع ". ﴿وذلك يوم مشهود﴾ أي : تشهده أهل السماوات وأهل الأرض ؛ لفصل القضاء، ويحضره الأولون والآخرون، لاقتضاء الثواب والعقاب. فاليوم مشهود فيه، فحذف الظرف اتساعاً.. ﴿وما نُؤخره إلا لأَجلٍ معدود﴾ أي : إلا لانتهاء مدة معدودة في علم الله، لا يتقدم ولا يتأخر عنها، قد اختص الله تعالى به. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon