الإشارة : التفكر والاعتبار من أفضل عبادة الأبرار ؛ لأنه يزهد في الدنيا الفانية، ويشوق إلى دار الباقية، ويرقق القلب، ويستدعي مخافة الرب، فلينظر الإنسان بعين الاعتبار في الأمم الخالية، والقرون الماضية، والأماكن الدارسة ؛ كيف رحل أهلها عن الدنيا أحوج ما كانوا إليها، وتركوها أحب ما كانت إليهم ؟ وفي بعض الخطب الوعظية : أين الفراعين المتكبرة، وأين جنودها المعسكرات ؟ أين الأكاسير المنكسرة ؟ وأين كنوزها المقنطرات ؟ أين ملكوك قيصر والروم ؟ وأين قصورها المشيدات ؟ أين ملوك عدن ؟ أهل الملابس والحيجان ؟ وأين ملوك اليمن، أهل العمائم والتيجان ؟ قد دارت عليهم ـ والله ـ الأقدار الدائرات، وجرت عليهم برياحها العاصفات، وأسكنتهم تحت أطباق الرجام المنكرات، وصيرت أجسامهم طعمة للديدان والحشرات، وأيمت منهم الزوجات، وأيتمت منهم البنين والبنات. أفضوا إلى ما قدموا، وانقادوا قهراً إلى القضاء وسلموا. فلا ما كانوا أملوا أدركوا، ولا إلى ما فاتهم من العمل الصالح رجعوا. وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤١
٢٤٢
قلت :(يوم يأتي) : العامل في الظرف :" لا تكلم "، أو : اذكر، مضمر. والضمير في " يأتي " : يعود على اليوم. وقال الزمخشري : يعود على " الله " ؛ لعود الضمير عليه في قوله :(إلا بإذنه)، وضمير " منهم " على أهل الموقف المفهوم من قوله :(لا تكلم نفس).
يقول الحق جل جلاله :﴿يوم يأتي﴾ ذلك اليوم المشهود، وهو : يوم الجزاء ﴿لا تكلم﴾ ؛ لا تتكلم ﴿نفس﴾ بما ينفع وينجي في جواب أو شفاعة ﴿إلا بإذنه﴾ تعالى، وهذا كقوله :﴿لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـا﴾ [النبأ : ٣٨]، وهذا موقف، وقوله ﴿هَـاذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات : ٣٥ ـ ٣٨]، في موقف آخر. والمأذون فيه هي الجوابات الحقية، أو الشفاعات المرضية، والممنوع منه هي الأعذار الباطلة.