قال المحشي الفاسي : واللائق أن إشفاقه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أجل أمته لا من أجل نفسه ؛ لأجل نفسه ؛ لأجل عصمته، وإنما أشفق عليهم لتوعد اللعن لهم بقوله :﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف : ١٦]. هـ. قلت : ولا يعبد أن يكون أشفق ـ عليه الصلاة والسلام ـ من صعوبة استقامته التي تليق به، فبقدر ما يعلو المقام يطلب بزيادة الأدب، وبقدر ما يشتد القرب يتوجه العتاب. ولذلك كان الحق تعالى يعاتبه على ما لا يعاتب عليه غيره. وقد قالوا : حسنات الأبرار سيئات المقربين. وقد تقدم كلام الإحياء في قوله :﴿أَلا بُعداً لِعَادٍ﴾ [هود : ٦٠].
ثم قال تعالى :﴿ولا تَطْغَوا﴾ ؛ ولا تخرجوا عما حد لكم، ﴿إنه بما تعملون بصير﴾، فيجازيكم على النقير والقطمير، وهو تهديد لمن لم يستقم، وتعليل للأمر والنهي. ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا﴾ : لا تميلوا إليهم أدنى ميل ؛ فإن الركون : هو الميل اليسير، كالتزيي بزيهم، وتعظيم ذكرهم، وصحبتهم من غير تذكيرهم ووعظهم. ﴿فتمسَّكم النارُ﴾ ؛ لركونهم إليهم. قال الأوزاعي : ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من عَالِم يَزورُ عَاملاً. هـ. وقال سفيان : في جهنم وادٍ لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك. هـ. وقال رسول الله ﷺ :" من دَعَا لِظَالٍمٍ بالبَقَاءِ ـ أي بأن قال : بارك الله في عمرك ـ فَقَدْ
٢٤٧
أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى الله في أرضهِ " وسئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية، هل يسقى شربة ماء ؟ فقال : لا. فقيل له : يموت ؟ ! فقال : دعه يموت. هـ. وهذا إغراق ولعله في الكافر المحارب، والله أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٧