وإلى هذه الواردات الثلاثة أشار في الحكم بقوله :" إنما أورد عليك الوارد لتكون به عليه وارداً، أورد عليك الوارد ليسلمك من يد الأغيار، ويحررك من رق الآثار، أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهودك ".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢
يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ اذكر، يا محمد، نعمة الله عليك بحفظه ورعايته لك ﴿إذ يمكُر بك الذين كفروا﴾ من قريش، حين اجتمعوا في دار الندوة ﴿ليُثْبِتُوكَ﴾ أي : يحبسوك في الوثاق والسجن ﴿أو يقتلوك﴾ بسيوفهم، ﴿أو يخرجوك﴾ من مكة.
وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومبايعتهم للنبي ﷺ، خافوا على أنفسهم، واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ، وقال : أنا من نجد، سمعت اجتماعكم فأردت أن أحضركم، ولن تعدموا مني رأياً ونصحاً، فقال أبو البحتري : أرى أن تحبسوه في بيت، وتسدوا منافذه، غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه فيها، حتى يموت، فقال الشيخ : بئس الرأي، يأتيكم من يقاتلكم من قومه، ويخلصه من
٢٣
أيديكم. فقال هشام بن عمرو : أرى أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم، فلا يضركم ما صنع، فقال الشيخ : بئس الرأي، يُفسد قوماً غيركم ويقاتلكم بهم. فقال أبو جهل : أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاماً، وتعطوه سيفاً، فتضربوه ضربة واحدة، فيتفرق دمه في القبائل، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم، فإن طلبوا العَقَلَ عقلناه. فقال الشيخ : صدق هذا الفتى، فتفرقوا على رأيه، فأتى جبريلُ النبي ﷺ وأخبره الخبر، وأمره بالهجرة فبيت عليّاً رضي الله عنه على مضجعه، وخرج مع أبي بكر إلى الغار، ثم سافر مهاجراً إلى المدينة.