الإشارة : الاستقامة على ثلاثة أقسام : استقامة الجوارح، واستقامة القلوب، واستقامة الأرواح والأسرار. أما استقامة الجوارح فتحصل بكمال التقوى، وتحقيق المتابعة للسنة المحمدية. وأما استقامة القلوب فتحصل بتطهيرها من سائر العيوب، كالكبر والعجب، والرياء، والسمعة، والحقد والحسد، وحب الجاه والمال، وما يتفرع عن ذلك من العداوة والبغضاء، وترك الثقة بمجيء الرزق، وخوف سقوط المنزلة، من قلوب الخلق، والشح والبخل، وطول الأمل، والأشر والبطر، والغل والمباهاة، والتصنع والمداهنة، والقسوة والفظاظة والغلظة، والغفلة، والجفاء، والطيش، والعجلة، والحمية، وضيق الصدر، وقلة الرحمة. إلى غير ذلك من أنواع الرذائل.
فإذا تطهر القلب من هذه العيوب اتصف بأضدادها من الكمالات : كالتواضع لله، والخشوع بين يديه، والتعظيم لأمره، والحفظ لحدوده، والتذلل لربوبيته، والإخلاص في عبوديته، والرضى بقضائه، ورؤية المنة له في منعه وعطائه. ويتصف فيما بين خلقه بالرأفة والرحمة، واللين والرفق، وسعة الصدر والحِلم، والاحتمال والصيانة، والنزاهة والأمانة، والثقة والتأني، والوقار، والسخاء والجود، والحياء، والبشاشة والنصيحة. إلى غير ذلك من الكمالات.
وأما استقامة الأرواح والأسرار، فتحصل بعدم الوقوف مع شيء سوى الله تعالى، وعدم الالتفات إلى غيره حالاً كان أو مقاماً أو كرامة، أو غير ذلك : كما قال الششتري رضي الله عنه :
٢٤٩
فلا تلْتَفِت في السَّير غيراً، وكلُّ ما
سوى الله غيرٌ، فاتخذ ذِكرَه حِصنا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٧
وكلُّ مقامٍ لا تُقمْ فيهِ إنّه
حجابٌ، فجد السَّير واستَنجد العونا
ومهما ترى كلًّ المراتِبِ تجْتَلِي
عليكَ فحلْ عنها، فعَن مثلها حُلنا
وقُلْ : ليس لي في غَير ذاتِكَ مَطلبٌ
فلا صورةُ تُجلى ولا طُرفة تُجنا


الصفحة التالية
Icon