يقول الحق جل جلاله :﴿فلولا﴾ فهلا ﴿كان من القرون من قبلكم﴾ ؛ كقوم نوح وعاد وثمود ومن تقدم ذكرهم، ﴿اُولوا بقية﴾ من الرأي، والعقل يُنكرون عليهم، أي : فهلا وجد فيهم من فيه بقية من العقل والحزم والثبوت، ﴿ينهون عن الفساد في الأرض﴾، لكن قليلاً ممن أنجينا منهم كانوا كذلك، فأنكروا على أهل الفساد، واعتزلوهم في دينهم ؛ فأنجيناهم. وفي هذا تحريض على النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، وأنه سبب النجاة
٢٥٠
في الدارين. ﴿واتَّبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه﴾ : ما أنعموا فيه من الشهوات، واهتموا بتحصيل أسبابها، وأعرضوا عما وراء ذلك، ﴿وكانوا مجرمين﴾ كافرين. قال البيضاوي : كأنه أراد أن يُبين ما كان السبب لاستئصال الأمم الماضية : وهو : فشو الظلم فيهم، واتباع الهوى، وترك النهي عن المنكرات مع الكفر. هـ.
﴿وما كان ربك ليُهلك القرى بظلم﴾ أي : متلبساً بظلم، ﴿وأهلُها مصلحون﴾، فيعذبهم بلا جرم، أي : ما كان ليعذبهم ظالماً لهم بلا سبب. أو ما كان ليهلك القرى بشرك وأهلها مصلحون فيما بينهم، لا يضمون إلى شركهم فساداً وبغياً، وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه. ومن ذلك قدَّم الفقهاءُ، عند تزاحم الحقوق، وحقوقَ العباد، وقال بعضهم :[الذنوب ثلاثة : ذنب لا يغفره الله، وهو الشرك، وذنب لا يعبأ الله به، وهو ما كان بينه وبين عباده، وذنب لا يتركه الله، وهو حقوق عباده]. وقالوا : قد يبقى المُلك مع الشرك ولا يبقى مع الظلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٠