الإشارة : أولو البقية الذين ينهون عن الفساد في الأرض هم : أهل النور المخزون المستودع في قلوبهم من نور الحق، إذا قابلوا منكراً دمغوه بالحال أو المقال، وإذا قالوا فساداً أصلحوه، وإذا قالوا فتنة أطفؤوها. وإذا قابوا بدعة أخمدوها، واجهوا ضالاً أرشده، أو غافلاً ذكروه، أو طالباً للوصول وصلوه، يمشون في الأرض بالنصيحة، لا يخافون في الله لومة لائم. أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.
قال رسول الله ﷺ :" والذي نفس محمد بيده لئن شئتم لأُقسمن لكم : إنَّ أحَبَّ عباد اللَّهِ إلى الله الذين يُحببون الله إلى عباده، ويحببون عباد الله إلى الله، ويمشون في الأرض بالنصيحة " أما كونهم يحببون الله إلى عباده، فلأنهم يَذكرون لهم آلاءه وإحسانه وبره. والنفسُ تحب بالطبع من أحسن إليها. وأما كونهم يحببون عباد الله إلى الله ؛ فلأنهم يردونهم عن غيهم وحظوظهم، التي تبعدهم عن ربهم. فإذا رجعوا إليه أحبهم.
وسئل ذو النون المصري رضي الله عنه عن وصف الأبدال، فقال : سألتَ عن دياجي الظلام ؛ لأَكشفُ لك عنهم، وهم قوم ذكروا الله بقلوبهم، تعظيماً لربهم ؛ لمعرفتهم بجلاله، فهم حجج الله تعالى على خلقه، ألبسهم الله ـ تعالى ـ النور الساطع من محبته، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته، وأفرغ عليهم من مخافته، وطهَّر أبدانهم بمراقبته، وطيبهم بطيب أهل معاملته، وكساهم حُللاً من نسج مودته، ووضع على رؤوسهم تيجان مبرته، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب، فهي متعلقة بمواصلته، فهممهم إليه ثائرة، وأعينهم بالغيب ناظرة، قد أقامهم على باب النظر من رؤية، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته، ثم قال لهم : إن أتاكم عليلٌ مَنْ فقدي فداووه، أو مريض من فراقي فعالجوه، أو خائف مني فانصروه، أو من آمن مني
٢٥١