ثم قال له :﴿وكذلك﴾ أي : وكما اجتَباك لهذه الرؤية الدالة على شرف وعز وكمال نفس، ﴿يجتبيك ربُّك﴾ للنبوة والملك، أو لأمور عظام، ﴿ويُعلِّمك﴾ أي : هو يعلمك ﴿من تأويل الأحاديث﴾ ؛ من تعبير الرؤيا ؛ لأنها أحاديث المَلك إن كانت صادقة، وأحاديث الشيطان إن كانت كاذبة. أو يعلمك من تأويل غوامض علوم كتب الله، وسنن الأبياء وحكم الحكماء. ﴿ويُتمُّ نعمتَه عليك﴾ بالنبوة، أو بأن يجمع لك بين نعمة الدنيا،
٢٥٧
ونعمة الآخرة، ﴿وعلى آل يعقوب﴾ يريد : سائر بنيه. ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب، ﴿كما أتمها على أبويك من قبلُ﴾ ؛ من قبلك، أو من قبل هذا الوقت. فأتمها على إبراهيم بالرسالة والخلة والإنجاء من النار، وإسحاق بالرسالة والإنقاذ من الذبح، وهم :﴿إبراهيمَ وإسحاقَ﴾، فهما عطف بيان لأبويك ﴿إن ربك عليمٌ﴾ بمن يستحق الاجتباء، ﴿حكيم﴾ لا يخلو فعله من حكمة، نعمة كانت أو نقمة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٦
الإشارة : البداية مجلاة النهاية، يوسف عليه السلام نزلت له أعلام النهاية في أول البداية. وكذلك كل من سبق له شيء من العناية، لا بد تظهر أعلامه في أول البداية ؛ " من أشرقت بدايته أشرقت نهايته ". من كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته.
وأوصاف النهاية تأتي على ضد أوصاف البداية ؛ فكمال العز في النهاية لا يأتي إلا بعد كمال الذل في البداية. وتأمل قول الشاعر :
تَذَلَّلَ لِمَنْ تَهوَى لِتَكسِبَ عِزَّةً
فَكَم عِزَّةٍ قَدْ نَالَها المرْء بِالذُّلِّ